للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا النوع من الاجتهاد يجوز وقوع التقليد في بعض مفرداته، فإن من تحقيق المناط في الأنواع تعيين المثل في جزاء الصيد الوارد في قوله تعالى:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (١).

وهذا الجزاء قد عينه المجتهدون من السلف، فجعلوا الكبش مثلًا للضبع، والعنز مثلًا للغزال، والبقرة مثلًا للبقرة الوحشية، والشاة مثلًا للشاة من الظباء، والعناق مثلًا للأرنب" (٢).

ومع صحة التقليد في مثل هذا إلا أنه لا يغني عن تحقيق المناط في الأشخاص المعينة، فلا بد من هذا النوع من الاجتهاد لاستمرار التكليف، "لأن الشرائع إنما جاءت لتحكم على الفاعلين من جهة ما هم فاعلون" (٣)، ومن ثم فإن كل دليل شرعي مبني على مقدمتين إحداهما راجعة إلى تحقيق المناط الذي نحن بصدد الحديث عنه، والأخرى راجعة إلى النقل (٤).

وبهذا نعلم مهمة المجتهد، وهي لا تخرج عن تنقيح المناط أو تخريجه أو تحقيقه، وذلك جماع الاجتهاد كما يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية (٥).


(١) سورة المائدة: آية ٩٥.
(٢) والعناق: الأنثى من أولاد المعز. المغني ٣/ ٤٤٢ وما بعدها.
(٣) الموافقات ٣/ ٢٦.
(٤) يقول الشاطبي: "والمسألة ظاهرة في الشرعيات" ويضيف إلى ذلك اللغويات ومن أمثلتها قولك: "ضرب زيد عمرًا" فإنك اذا أردت معرفة الذي يرفع من الاسمين احتجت أن تعرف من هو الفاعل، فإذا حققت أن زيدًا هو الفاعل حكمت بمقتضى المقدمة النقلية وهو أن كل فاعل مرفوع، ونصبت المفعول ٣/ ٢٦ - ٢٧.
(٥) مجموع الفتاوى الكبرى ٢٢/ ٣٢٩.

<<  <   >  >>