فإذا كان الأمر كذلك تبين مقصود الإِمام الشاطبي باشتراط الاجتهاد في اللغة: وأنه ليس الإحاطة والجمع، وليس الاستقلال بالنظر فيها مطلقًا بحيث لا يحتاج إلى غيره، بل مقصوده: هو أن تكون له ملكة يدرك بها معنى خطاب الشرع وأن يكون في ذلك كالعربي المحض .. وإن احتاج في بعض الأوقات إلى الاستظهار بغيره، كما كان العربي المحض يصنع ذلك، ونخلص بعد ذلك إلى أمور:
الأول: أن تحقق هذه الدرجة مؤد إلى تحقق شمول الشريعة من حيث الاستنباط والتطبيق، لأن المجتهد سينظر فيها بلسان العرب، واتساع لسان العرب في تضمن المعاني والدلالة عليها كما قال الإِمام الشافعي لا يماثله فيه لسان.
فيعرف المجتهد حينذاك العام الذي يراد به ظاهره، والعام الذي يراد به العام، والعام الذي يراد به الخاص، ويستدل على ذلك بالسياق، وبالكلام ينبئ أوله عن آخره وآخره عن أوله. وأن العرب تعرف مراد المتكلم تارة بالمعنى وتارة بالإِشارة وتعرف المعاني الكثيرة من الاسم الواحد، وتطلق الأسماء الكثيرة على الشيء الواحد ..
ويدرك دلالات الألفاظ فيعرف المجمل من المطلق من المقيد، واستنباط المعاني من الألفاظ للقياس عليها (١).
وهذا هو العلم الضروري لتحقيق شمول الشريعة إذ هو قاعدة الاستنباط منها، والمتمكن من هذه القاعدة متمكن من آلة الاجتهاد، مستحوذ على الملكة.
(١) هنا تدخل الشروط الأخرى مثل معرفة طريقة الاستدلال والعمل بالعموم، وإعمال المخصص، وملاحظة السياق، ومعرفة مراد المتكلم ودلالات الألفاظ ونحو ذلك، ولذلك اكتفيت بدراسة هذين الشرطين، معرفة مقاصد العربية ومقاصد الشريعة لتضمنها لبقية الشروط، أما مقاصد الشريعة فسيأتي بيان تضمنها لبعض الشروط في موضعه إن شاء الله.