والحاصل أن شمول الشريعة وإدراك أحكامها لا يمكن أن يتحقق إلّا من مجتهد من أبرز شروطه أن تكون العربية ملكة له بحيث يدرك سعة لسان العرب ويفهم خطابها ولا يجهله، وأن ما أكد عليه الشاطبي وأبرزه واهتم به هو مذهب الأصوليين أمثال الشافعي والجويني والسبكي والغزالي والشوكاني، وبهذا يتحقق الناظر في الشريعة من معانيها ويدرك شمولها ويحققه في واقع الناس .. ويدرك في المقابل ثباتها ولايضرب بعضها ببعض ويسعى في تغييرها وتتناقض معانيها بين يديه لتفريطه في فهم مواقع خطابها ويرجع سبب ذلك في بعض الأحيان إلى تفريطه في حيازة الملكة في فهم العربية، وعدم الاستظهار بغيره عند الحاجة. أما إن قدر على الملكة -وإن لم يجمع مفردات اللغة- فإنه قادر بمشيئة الله على فهم شمول الشريعة حين الاستنباط منها محافظاً على ثباتها .. ولا ينقص من قدره أن يستظهر بغيره من علماء العربية إذا جهل منها شيء، وسيكون ذلك هو طريقه إلى تحقيق مهمة الاستنباط في سلامة من القصور في فهم الشريعة بحيث لا يعجز عن إدراك سعة معانيها، وفي سلامة من الزيادة عليها بما ليس منها بحيث لا يناقضها ولا يضادها.
واشتراط الملكة دون الاحاطة والجمع والاشتغال بالدقائق مع جواز الاستظهار بالغير عند العجز .. هو السبيل الذي يحقق السلامة من القصور والزيادة.
فلا الناظر يفقد الملكة بحيث لا يفهم معاني الخطاب ويختلط عليه العام والخاص والمطلق والمقيد .. ويفقد مع ذلك الضوابط التي يتحصن بها في الاستدلال فيحل الحرام ويحرم الحلال ويضيّق الواسع ويقول على الله بغير علم ويضطرب في فهم الشريعة ويقع في سوء جهله ويوقع من تابعه على ذلك .. كما ستأتي الإِشارة إليه من أمثال الذين وقعوا في مخالفة الإِجماع وغرائب الآراء يزعمون أنهم يجتهدون في فهم الشريعة، وهؤلاء تنقصهم الآلة، فلا هم حازوا الملكة في فهم الخطاب ولا هم إلتزموا بالضوابط التي تبنى على علم العربية كما