لا يريدون بالإِسلام وأهله إلّا خيراً، وهم يسعون في الفساد من حيث يزعمون الإِصلاح، وفي الفتنة من حيث يزعمون التأليف .. وفي الخوض في الباطل من حيث يريدون بزعمهم بيان الحق وإظهاره.
ويزداد خطرهم - إذ ينقلبون على أعقابهم ويكبون على وجوههم عندما يرجعون على علماء الأمة الربانيين من السلف بالمخالفة والتأنيب أو التشكيك، ولسان حالهم يقول أنهم أعلم وأحكم وأعرف بالمصالح ومقتضيات الأحوال، وأنهم أهل الفقه والدراية وهم الذين يجب أن يرجع الناس إلى أقوالهم إن أرادوا أن يتبينوا حقيقة الإِسلام ويعيشوا به بعيداً عما مضى من الأحكام ... حتى لا يدعوا للناس باب فتنة إلّا فتحوه .. ولا بدعة إلّا رفعوا أعلامها .. ولا حرام إلّا أوقعوهم فيه .. وكثيراً ما يؤتى هؤلاء من أحد أمرين: إما من هوان هذا الدين على نفوسهم فيخوضون فيه بأهوائهم ... وإما أن يؤتوا من جهة جهلهم بلغة العرب ومقاصد الشريعة فينسبون إلى الشريعة -بحسن قصد- ما ليس منها.
ولخطورة هذا المسلك الغريب على منهج التفكير الإِسلامي أحاول هنا كشف أصوله الفاسدة، وذلك ليستقر مفهوم الثبات والشمول في الشريعة، ونحول بقدر الإِمكان بين هذه الأمة وأهواء الذين لا يعلمون لكي تعود إلى الفهم الأول لهذا الدين الذي أخرج خير القرون ممثلاً في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والطريق إلى ذلك هو سلامة الناظر في الشريعة من الانحراف، فلا بد له إذاً من معرفة لغة العرب ومقاصد الشريعة كلما أسلفت، وأن يتعرف أيضاً على المسالك الفاسدة، وهي مسالك المبتدعة لكي يحذر منها وتزداد بصيرته بمنهج الحق في طريقة الاستدلال بالنصوص الشرعية كلما كان عليه السلف الصالح، فلا يحدث مسلكاً غريباً ولا يتبع من يحدثه، وبذلك يحافظ على مقصود الشارع فلا يغيره ولا يبدله ولا يقدم بين يديه .. ولا يضيع جهده في اتباع الأهواء.
ومع أن "طريقة أهل البدع في الاستدلالات .. لا تنضبط لأنها سيالة