للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يتحقق من أحد مخالفة. مثل هذا الإِجماع إلّا أن يوصف بوصفين:

الأول: أنه مجاف للمنهج الإِسلامي الصحيح في الاستدلال، متبع لمسالك النظر المخالف للشرع.

الثاني: أنه طاعن فيما استنبطه العلماء ونقلوه لمن بعدهم جيلاً بعد جيل، واصف له بالخطأ زعاماً أن الحق معه هو.

الثالث: أن الاجتراء على مثل هذا المسلك لا يكون إلا ممن اتبع المتشابه وترك المحكم وهذا هو شأن الزائغين الذين حذر الله منهم (١).

هذا في منهج النظر .. أما مسألتنا التطبيقية فقد نقل العلماء الثقات الإِجماع عليها، ولم يفرقوا بين الربا قليله وكثيره في التحريم (٢).

ونؤكد بعد هذا العرض التطبيقي أن تغيير الأحكام الإِسلامية وتقديم غيرها عليها من أحكام القوانين الوضعية .. ومحاولة التلبيس على العوام بدعوى جواز الاجتهاد .. حتى اهتز مفهوم الثبات وأصبحت دعوى المعاصرة والإِصلاح مطية لزعزعة ثبات الشريعة .. إن هذا كله إنما جاء بسبب اتباع مسالك غربية في النظر من مثل ما ذكرناه من تمجيد العقل واتباعه ومحاكمة الوحي إليه.

والحق أن أمثال هذه الفتاوى لم ينتجها الاجتهاد الشرعي .. وأن الاجتهاد الشرعي بضوابطه التي قدمنا وبسلامته من هذه المسالك الفاسدة هو السند الحقيقي للحفاظ على ثبات الأحكام الشرعية ووضع سد مانع بين شريعة الإِسلام وأهواء الذين لا يعلمون، وينبغي أن نبذل الجهد المستطاع لكشف


(١) انظر الاعتصام ١/ ٥١، ٥٣ - ٥٤ - ٩٩ - ١٠٠ - ٢٣٨ - ٢٣٩. ومما يدل على محافظة العلماء على هذه الشريعة ما قاله الإِمام الشافعي في كتابه الرسالة: " .. قلنا أما ما كان نص كتاب بين أو سنة مُجْتَمعٍ عليها فالعذر فيها مقطوع ولا يسع الشك في واحد منهما، ومن امتنع من قبوله استتيب" مسألة ١٢٥٩.
(٢) انظر المغني ٤/ ٣ وانظر الرد على شبهة المعارضين للإِجماع في الربا وأثره على المجتمع ٥٥ وما بعدها والمغني ٤/ ٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>