للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا فلا نحتاج إلى التخصيص هنا لا بالعقل (١)، ولا بالحس (٢)، ولا بالمنفصل ولا بالمتصل، وذلك لأن المجموع -من لفظ العام وما لحقه من المنفصل عنه أو المتصل به من ألفاظ- هو الدال على مقصود المتكلم، ومقصده يعرف بالطريقة التي بينها الشاطبي من كلام العرب، وإذا كان المجموع هو الدال -وقد استقر التشريع بعد انقطاع الوحي- فتحصل عندنا العام وما اتصل به من الكلام وما انفصل عنه، فإن دلالته تعرف من المقاصد الاستعمالية وليس هناك إخراج لشيء، وإنما هو بيان لقصد المتكلم من عموم اللفظ لكي لا يتوهم السامع منه غير ما ذكر، فاللفظ المتصل بالعام لا يخصص من محصول الحكم شيئًا لا لفظًا ولا قصدًا، وكذلك المنفصل ليس تخصيصًا حقيقيًا، وإنما هو بيان لمقصود المتكلم من عموم الصيغة (٣) وذلك يعرف من مقصد الشارع، ومقصد الشارع يعرف من مجموع نصوصه وهو وضع واحد لا متعدد، ولا تخصيص فيه لا في اللفظ ولا في الإِرادة، فالحاصل: أن ما يلحق بصيغ العموم سواء كان متصلًا أو منفصلًا إنما هو بيان لوضع الصيغ في أصل الاستعمال فهو تفسير أشبه البيان الذي يأتي عقب اللفظ المشترك ليبين المراد منه (٤).

وفائدة هذا البحث عند الإِمام الشاطبي كما يلي:

١ - أن عمومات القرآن والسنة -وهي عمدة الشريعة- حجة على


(١) كما صنع أكثر الأصوليين حيث خصصوا آية: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بالعقل لأنهم أدخلوا ذات الباري في العموم ثم أخرجوها بالعقل، والعموم عند الشاطبي هنا عموم استعمالي حسب المقصد اللغوي والشرعي، فلا نحتاج على هذه الطريقة إلى إخراجها إذ أنها لم تدخل أصلًا. انظر من كتب الأصول الإِحكام للآمدي ٢/ ٢٨٢، سورة الأحقاف: آية ٢٥.
(٢) كما صنع أكثر الأصوليين في آية {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} فقالوا الحس هنا أخرج السماوات والأرض والمياه. انظر الإِحكام للآمدي ٢/ ٢٨٢.
(٣) الموافقات ٣/ ١٨١ - ١٨٢.
(٤) المصدر السابق ٣/ ١٨٢.

<<  <   >  >>