للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا توقف بعض الصحابة كما في الأمثلة السابقة وغيرها، فلأن إدراك المقصد الشرعي يتفاوت الصحابة فيه فمن خفي عليه ذلك المقصد ثم علمه زال الإشكال، فعدم إدراك بعض الصحابة فيه للعموم الاستعمالي سببه عدم إدراك المقصد الشرعي، كما أن من لم يعرف القصد الاستعمالي العربي لم يدرك العموم الاستعمالي وحينئذ يحمل اللفظ على أصل الوضع.

وليس في هذا دلالة على أن اللفظ ليس له إلا وضع واحد، بل له وضع استعمالي فمن لم يعرفه اعتمد الوضع الأصلي.

وقد بين الشاطبي عدم إدراك المقصد الشرعي عند بعض الصحابة في الآية الأولى، وعدم إدراك المعترض من الكفار موقع الآية بل جهل مقصد السياق فإن الخطاب فيها لقريش وكانوا يعبدون ما لا يعقل، وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ... } الآية إشارة إلى ما لا يعقل، فلا يدخل فيه المسيح ولا الملائكة، فنزل بيانًا لجهل المعترض قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ .... } فالمسيح والملائكة لم يدخلوا في المعنى الذي من أجله نزلت هذه الآية، فإنها نزلت خطابًا لقريش وما كانوا يعبدون المسيح ولا الملائكة، فالعموم الوارد في الآية عموم استعمالي لم يدخل فيه الملائكة ولا المسيح (١).

"وبالجملة فجوابهم بيان لعمومات تلك النصوص كيف وقعت في الشريعة وأن ثم قصدًا آخر سوى القصد العربي لا بد من تحصيله، وبه يحصل فهمها وعلى طريقه يجري سائر العمومات وإذ ذاك لا يكون ثم تخصيص بمنفصل البتة واطردت العمومات قواعد صادقة العموم" (٢).

• الاعتراض الثالث: وهو وارد على جواب الاعتراض الثاني وأذكره هنا مستقلًا لِيُمكِن إيضاحه:


(١) الموافقات ٣/ ١٧٧، درء تعارض العقل والنقل ٧/ ٥٨.
(٢) الموافقات ٣/ ١٧٧ - ١٧٨.

<<  <   >  >>