للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغير هذين المثالين كثير وهي مبنية على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهي مسألة مختلف فيها، وحاصل البحث أن أحد القولين هو الأصح ولا فائدة زائدة (١).

وأجاب الشاطبي عن هذا بأحد جوابين:

الأول: إن هذا ليس من مسألة البحث، وهو فقه حسن يعرفه الراسخون في العلم، فإن الله ذكر المؤمنين بأحسن أعمالهم وذكر الكافرين بأسوء أعمالهم ليكون العبد بين الخوف والرجاء فيرى أحسن أفعال المؤمنين فيقتدي بها، ويرى أفعال الكافرين فيحذر منها، وليس هذا من قبيل الصيغ العمومية، بل من قبيل حمل ذلك محمل الداخل تحت العموم اللفظي.

والثاني: إن هذا بيان "فقه الجزئيات من الكليات العامة لا أن المقصود التخصيص بل بيان جهة العموم" (٢).

وبهذا الجواب يتقرر عند الإِمام الشاطبي أن العموم الاستعمالي وضع ثان غير الوضع الأصلي، ويعرفه من عرف مقاصد العربية ومقاصد الشريعة وعلى ذلك فالعمومات صادقة العموم وهي حقيقة لا مجاز وليس هناك تخصيص بمنفصل، وهذا هو موقف الصحابة والسلف من عمومات الكتاب والسنة، يبينونها وهم ينظرون إلى مقاصد الشارع فيها، ولا يقتصرون على أصل الوضع، ولا يرون ذلك البيان إخراجًا من أصل اللفظ.

ويزيد الشاطبي هذه المسألة إيضاحًا: فيقول: إن التخصيص بالمتصل


(١) المصدر السابق ٣/ ١٨١. وأشار الشاطبي إلى أن في المسألة قولين -وهو ما ذكره الأصوليون- وانظر بحث الدكتور محمد العروسي "مسألة تخصيص العام بالسبب" طبعة سنة ١٤٠٣ هـ -المطبعة العربية الحديثة- القاهرة. تجد فيه أن العبرة بعموم اللفظ ولا خلاف على هذه القاعدة، وما ينقل من الخلاف فإنما هو في تحقيق المناط وفي هذا البحث وضع -جزاه الله خيراً- الأمور في نصابها وأزال الإشكال الوارد على هذه القاعدة.
(٢) الموافقات ٣/ ١٨١.

<<  <   >  >>