للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجاز، وهذا الرأي وإن كان ضعيفًا إلّا أنه يوهن الاستدلال بالعمومات، وإن الجوامع لا تكون كذلك إلا إذا كان المعنى محددًا محررًا وهذا لا يتحقق على رأي القائل بالمجاز لأن المجاز محتمل (١).

ونؤيد مطلب الأستاذ دراز بادئ ذي بدء ونتمنى تحقيقه، لأن تجميع الطاقة العلمية وإبعاد الخلاف عن مسائل الدين أمر مطلوب محبوب، ولكن هل يمكن للشاطبي أن يسير مع طريقة المتكلمين حذو القذة بالقذة، وقبل أن نعرض لطريقتهم -وهم القائلون بالظنية وقد اختلفوا بعد ذلك في حجية العام- نشير إلى الجواب عن اعتراضات الأستاذ دراز واقتراحاته بما يناسب هذا الموضع ونسجل الجواب في النقاط الآتية:

١ - إن منهج الشاطبي في دراسة العموم يختلف تمام الاختلاف عن مسلك المتكلمين ومن تابعهم، والخلاف جوهري، يشبه الخلاف بين مسلك المتكلمين ومنهج السلف في الاستدلال، ومن الفوارق بينهما ما يلي:

(أ) مسلك المتكلمين مسلك تجريدي عقلي، ومسلك الشاطبي مبني على طبيعة هذه الشريعة، فهي شريعة ذات مقاصد نزلت بلسان عربي مبين، فالعبرة بالاستعمال والمقاصد، وعمدة الشاطبي راسخة حيث اعتمد على لغة العرب (٢) وهي الحجة البينة في مثل هذه المسألة.

(ب) إن الشاطبي تابع السلف الذين من شأنهم تقوية الأدلة كما تبين لنا عند الحديث عن إفادة الشريعة للعلم، والمتكلمون تابعوا مسلكهم في تضعيف الأدلة ووصفها بالظنية (٣).

٢ - إن الإِمام الشاطبي اعتمد في رد القول بتضعيف العموم والقول بالمخصصات على حقيقة قول الجمهور، فإنهم كما أشار دراز وهو يذكر قول الغزالي لا يدخلون في العموم ما لا يخطر ببال المتكلم وإن البيان للعام لا يسمى


(١) الموافقات ٣/ ٢٩١ - ٢٩٢ بتعليق دراز.
(٢) انظر ما قاله الأستاذ دراز هامش الموافقات ٣/ ٢٧١ بتحقيقه.
(٣) انظر ما سبق ص ١٨٣ - ١٨٨.

<<  <   >  >>