الأول: أن من أعلام المذهب من لم يصحح هذه النسبة، تخصيص العام ٣٧. الثاني: أن ذلك مخالف لمنهج الشافعي في الاستنباط، فقد عرف عنه حمل ظواهر القرآن على مقتضى أخبار الآحاد، وهي ظنية الثبوت ولا يصح حمل العمومات على هذه الأخبار مع القول بقطعيتها، تخصيص العام ٣٧. والجواب عن الأول: أن النسبة إن لم يصححها أحد أعلام المذهب فقد ذكرها الأبياري شارح كتاب البرهان لإمام الحرمين وحكاه إمام الحرمين في أول كتابه المذكور ونقله أيضًا الأصفهاني شارح المحصول وذكر الماوردي نحوه أيضًا "تخصيص العام" ٣٧. الثاني: أن القول بالقطعية لا ينافي منهج الإِمام الشافعي، لأنه قرر في "الرسالة" تثبيت خبر الواحد. وانظر ما سبق ص ١٦٤ - ١٦٦، نعم ينافي مسلك المتكلمين لأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم عندهم، وهذا هو الفارق بين منهج الإِمام الشافعي وطريقة المتكلمين، وما يفرضه بعض الباحثين من أن أخبار الآحاد ظنية عند الشافعي ومالك وأحمد، فرض غير صحيح بل ثبت فيما سبق أن أئمة السلف يستدلون بها على العقيدة ص ١٤٤، ومع هذا يأتي هؤلاء الباحثون وينسبون إليهم القول بظنية العمومات ويلزمونهم بطريقة المتكلمين، وهذا في الحقيقة إقحام لمسلك المتكلمين على أصول أئمة السلف، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأقحموا مسلك المتكلمين على أصول الصحابة - رضوان الله عليهم - على فرض أن الصحابة يقولون بظنية أخبار الآحاد ويأخذون هذه النسبة مسلمة بلا برهان، مع أن البرهان العلمي قام على ضدها كما بينه الإِمام الشافعي والأشعري وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ممن نقل مذاهب الصحابة والأئمة. انظر ما سبق ص ١٦٧ ويبنون على هذه النسبة أن الصحابة يقولون بأن العمومات ظنية، تخصيص العام ٤٣، وفي الحق أن الصحابة لا هم قائلون بهذا ولا بذاك وأن المسلك الذي فرضت به طريقة المتكلمين على أصول الصحابة - رضي الله عنهم - مسلك لم تثبت له حجة، فلا ثبت أنهم يقولون بأن أخبار الآحاد ظنية ولا ثبت ذلك عن أحد من السلف ومن ثم فإن ما رتب على هذا الذي ليس بثابت يكون غير ثابت أيضًا. =