للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأفراد التي لا تشملها الأحكام المقترنة بلفظ العام لم تدخل في ضمن العام بالنسبة لهذه الأحكام، فقد نصت كتب الأصول شافعية كانت أو حنفية أو مالكية على أن التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بالإِرادة الأولى، فيكون المخصص مبينًا لإِرادة الخصوص، ولقد ذكر الغزالي أن تسمية الأدلة مخصصة تجوز، إذ التخصيص على التحقيق بيان خروج الصيغة عن وضعها من العموم إلى الخصوص" (١). ولذلك لم ير الشاطبي أن هذا التخصيص موجود في الشريعة، لأنه لا إخراج من الصيغة في الحقيقة، بل الإِرادة -أي الوضع الاستعمالي الشرعي- استخدم اللفظ العام وأطلقه على بعض أفراده، وهذا الاستعمالي مقدم على الوضع الأول، فما يقوله الأصوليون من أن المخصص قصر العام على بعض أفراده إنما هو تَجوَّز، ولذلك يعتبر الشاطبي هذا -الذي يسميه الأصوليون تخصيصاً- يعتبره بينًا وتفسيرًا، يدلنا على الوضع الاستعمالي -أي ما أراده الشرع- وفي الحقيقة ليس هناك تخصيص في محصول الحكم لا لفظًا ولا قصدًا كما قرره في الموافقات (٢) وهذا الذي قاله هو الذي تؤول إليه طريقة المتكلمين والحنفية أيضًا عندما ينزلون إلى واقع العمل التطبيقي كما بين الشيخ أبو زهرة، وشهد به الغزالي.

ومن عظمْ فقه الإِمام الشاطبي أن التفت إلى هذه الحقيقة فقال: "فإن قيل: أفيكون تأصيل أهل الأصول كله باطلًا أم لا؟ فإن كان باطلًا لزم أن يكون ما أجمعوا عليه من ذلك خطأ، والأمة لا تجتمع على الخطأ، وإن كان صوابًا -وهو الذي يقتضيه إجماعهم- فكل ما يعارضه خطأ، فإذا كل ما تقدم بيانه خطأ.

فالجواب: إن إجماعهم أولًا غير ثابت على شرطه، ولو سلم أنه ثابت لم يلزم منه إبطال ما تقدم، لأنهم إنما اعتبروا صيغ العموم بحسب ما تدل عليه في الوضع الإِفرادي، ولم يعتبروا حالة الوضع الاستعمالي حتى إذا أخذوا في


(١) أصول الفقه ١٣٠، وقارن مع ما حكاه شيخ الإِسلام عن الجمهور انظر ص ٣٠١.
(٢) الموافقات ٣/ ١٨٢.

<<  <   >  >>