٣ - إن العمومات حجة ثابتة تحقيقاً قبل التخصيص وبعده.
وهذه من أعظم قواعد الثبات والشمول، فالشريعة عمدتها هذه العمومات الصادقة التي قطع بها السلف .. فهي علم ثابت راسخ الأركان هوقوام الكليات الشرعية منها يستخرج المجتهد -عن طريق الاجتهاد- الأحكام الشرعية وهي معلومة للأمة بل هي أساس الشريعة فهي حجة ثابتة -قبل التخصيص وبعده- وعنها يتفرع شمول الشريعة لأن العموم هو الشمول، وينبني على قاعدة راسخة ثابتة - لا على ظن واحتمال ومجاز .. فتنطلق مهمة الاجتهاد من تلك القاعدة - وطرق الاجتهاد كثيرة كما سيأتي معنا - وذلك بإعمال تلك العمومات واستخراج الجزئيات غير المتناهية منها - إضافة لما ورد من الأحكام الجزئية في الشريعة -فتكون تلك الكليات- التي هي العمومات - هي المعين الذي لا ينضب والبحر الذي لا ينفد يغترف منه المجتهدون ما تحتاجه الأمة من الأحكام فلا ينقطع الاجتهاد ولا ينفد البحر (١)، وإن عملية الاجتهاد كما تحدثنا عنها وكما سنتحدث عنها عند عرض أهم طرق الاجتهاد الأخرى هي الكفيلة باستخراج تلك الكنوز التي اشتملت عليها تلك العمومات سواء عن طريق استخراج النص مباشرة .. أو عن طريق قياس العلة أو عن طريق قياس المصلحة، فالاجتهاد بجميع أنواعه تنقيح المناط أو تخريجه أوتحقيقه هوعمل المجتهدين الذي به يتحقق الشمول في واقع الناس ويستقر على تلك القواعد الصادقة العموم التي تقوم بها الحجة وتثبت بها الأحكام كما هو منهج السلف الصالح بالقطع بعموماتها تحقيقاً، وبيان تلك العمومات بكل ما ثبت في الشريعة.
* * *
(١) انظر ما بينه سابقاً من وجه الإِعجاز في العمومات ودلالتها على الشمول والثبات ص ٣١٠.