للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقلبه وجوارحه - فلا يتعداه، فلو جاز للعقل أن يتخطى ما حده الشرع لما كان لما حده الشرع فائدة، فإذا تعدى العقل ما قرره الشرع كان الحكم للعقل وذلك في الشريعة باطل فما أدى إلى مثله.

فلا يجوز للعقل أن يتخطى ماحده الشرع زاعماً أنه إنما يتبع المصلحة ويريد الإحسان والتوفيق، بل الحكم الأول والأخير للشريعة.

ثالثاً: إن المحسن والمقبّح هو الشرع، فما جعله الشرع حسناً فهو حسن ومصلحة فهو مصلحة - وما جعله قبيحاً فهو قبيح .. وما جعله مفسدة فهو مفسدة، والعقل البشري لكي يحقق الاستسلام لمنهج الله لا بد أن يخضع لحكم الشريعة ويستسلم، فلو تعدى العقل ما حده الشرع لكان محسناً ومقبحاً - ومدركاً للمصلحة والمفسدة، وهذا باطل فما أدى إليه يأخذ الحكم نفسه، فالعقل إذاً لا يحسن ولا يقبح ولا يتعدى ما حكمت به الشريعة.

رابعاً: إنه لو جاز للعقل أن يتعدى ما حده الشرع لأدى ذلك لِإبطال الشريعة بالعقل، فلو حكم العقل ببطلان حكم الشرع (١) في مسألة واحدة وأمضينا حكمه وجاز له أن يتعدى حدًا واحداً - ويبطل حكماً واحداً - لجاز له تعدي جميع الحدود لأن الشريعة حدت حدوداً للمكلفين - في الأقوال والأفعال والاعتقادات فإذا جاز تعدى حداً واحداً جاز تعدي سائر الحدود لأن ما ثبت للشيء ثبت لمثله، وإبطال الشريعة بالعقل محال فما أدى إليه مثله في الحكم.

وهذه العقيدة - وهي أن العقل ليس بشارع فلا يجوز له إبطال الشرع البتة - يقررها الإِمام الشاطبي ويجزم بأن العقل لا يتعدى ما حده الشرع ولا يبطله - قال -رَحِمَهُ اللهُ-: فلو جاز للعقل إبطال حد واحد جاز له إبطال سائر الحدود وهذا لا يقول به أحد لظهور محاله (٢).


(١) ومثله القول بأن العقل يحكم بإيقاف حكم النص كما ستأتي الإِشارة إليه.
(٢) الموافقات المقدمة العاشرة ١/ ٤٩. وقد سبق الإِشارة إلى شيء منه ص ٢٨٦.

<<  <   >  >>