للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على النفس هو المستند لقتل الجماعة بالواحد، فهو إذاً اجتهاد شرعي مبني على المصلحة التي دل عليها ذلك الأصل الكلي، وهو مذهب الصحابة رضوان الله عليهم (١).

وهذه الأمثلة وغيرها كثير تُبين لنا أن منهج النظر الإِسلامي بشموله وحيويته قد سهل دخول الوقائع المتجددة تحت حكم الشريعة كل واقعة تدخل حسب الطريق المناسب لها، فمنها ما يدخل عن طريق النص مباشرة ومنها ما يدخل عن طريق القياس ... الخ، وإذا أضفت أن الوقائع التي تحدث للبشر متشابهة إما في أعيانها وإما في الأصول التي ترجع إليها علمنا حينئذ أن التشابه كما يقع في الكون يقع في البشر وأفعالهم، وأن هذا الإِعجاز في الخلق مناسب للإِعجاز في التشريع، فالوقائع مهما كثرت لا بد من وقوع شبه بينها، وتدخل تحت حكم الشريعة من طرق كثيرة منها وباب العمل بالمصالح من دعائم الشمول في الشريعة، لأن الشريعة - التي أنزلها الله سبحانه متصفة بصفة الإِعجاز من جهة اللفظ والمعنى، وقد اتسق فيها واستوى مفهوم الثبات والشمول في توازن عجيب بديع، تظهر ملامح هذا الإبداع وتبرز وتتعدد كما تظهر ملامح الإِعجاز الكوني وتتعدد، فإذا جمعنا مع هذا ما نعلمه من طبيعة الإنسان المخلوق في هذا الكون، المخلوق له هذا الكون، فإن الدليل على ما قلته آنفاً يتضح لنا فنجد حينئذ التشابه الكبير في حقيقة هذا الإِنسان الفطرية وفي طبيعة تعامله مع هذا الكون وطبيعة تعامل هذا الكون معه بأمر الله سبحانه وقد جعل الله "الناس" شعوباً وقبائل - وهم من هذه الناحية متشابهون، ويعيشون في أطراف من هذا الكون متشابهة، يتعاملون معه ويتعامل معهم بإذن الله بصور متشابهة، وكل صور هذا التعامل "الإِنسان مع نفسه، الإِنسان مع الإنسان، القبائل والشعوب مع القبائل والشعوب، وهؤلاء جميعاً مع الكون، والكون معهم كل هذه معالم متشابهة تجعل تلك الصور تتقارب في التشابه أو تتباعد وهي في كل حال متشابهة، ومن ثم يمكن جمعها وحصرها للتعرف على


(١) المغني ٨/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>