ولا الآخرون سطرًا واحداً بل هي وحي يوحى تنزيل من حكيم حميد، ولذلك فهي ليست إقليمية ولا محلية ولا زمانية كلا، بل أنزلها الله لتكون حجته على عقول عباده من الأولين والآخرين والعرب والعجم .. ومن ثم كانت حاكمة على كل شيء، تفرق بين المصالح الموهومة المتخيلة، والمصالح الحقيقية الشرعية، فما حكمت بأنه مصلحة فهو كذلك علمه من علمه وجهله من جهله، وما حكمت بأنه مفسدة فهو كذلك علمه من علمه وجهله من جهله، وبهذا الإدراك لطبيعة هذه الشريعة - ومن قبل ذلك - لحقيقة الإِيمان تجعل المؤمن وغير المؤمن يشعر بتلك السعة، حتى ليخيل لغير المؤمن أنها يمكن أن يدخل فيها كل شيء فلا يمكن تحديدها، ويضل الله من يشاء ويهدي من يشاء، يضل بذلك الذين لا يعلمون، ويزداد الذين آمنوا إيمانًا ..
وبعد أن علمنا بتوفيق من الله سبحانه حقيقة الثبات والشمول، وكيف اتسعا ليحققا لنا في النهاية - بفضل من الله - حسن العبودية له وتعمير الأرض بمنهج الله الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلّا شملها بحكمه في جمال وكمال واستقامة وطهر، ننتقل بعد ذلك لمعالجة فكرة خرجت عن هذه القاعدة وخَيّل لأصحابها مفهوم الشمول بما فيه من سعة أن الأحكام تتغير بتغير الزمان، وإنما عند هؤلاء مفهوم الثبات واختلت ضوابطه، وحسّنوا الظن بالعقل البشري في مجال إدراك المصالح، وقذموا حكمه على حكم الشرع، إما بإخراج بعض أفراد النص وإما بإيقافه مطلقاً، وقد استندوا إلى شبه كثيرة، وسأعرض أفهامهم وأناقش أعظم شبههم مؤكدًا في الوقت نفسه على تعميق مفهوم الثبات والشمول .. والله الموفق والمعين.