أولياء الدم، وفي الثانية لا قصاص بل دية مسلمة إلى أولياء الدم إلّا أن يصدقوا. فلا عجب إذن أن يكون لحادثتين تختلف خصائصهما حكمان مختلفان، وإن كانت الصورة بادئ ذي بدء تبدوا واحدة (١).
وهذه ليست في محل النزاع قطعاً، لأنه لا ينازع أحد فيها على الإطلاق، فحادثتان - وإن كانتا في الصورة واحدة - لكنهما في الجوهر مختلفتان - طبيعي أن يختلف حكمهما.
ونعود مرة أخرى لتحديد موضع النزاع فأقول: إن تغير حكم الحادثة إذا تغير جوهرها وأصبح لها خصائص مغايرة لطبيعتها الأولى أمر طبيعي لا ينبغي أن ينازع فيه أحد.
ويبقى النزاع في تغير حكم الحادثة التي لم يتغير جوهرها ولا شيء من خصائصها وحيثياتها.
نقول هذا ونؤكد عليه لأن هناك خلطًا بين هاتين القضيتين لا يمكن أن نَخْلص من آثاره السلبية إلّا أن ندخل في دراستنا لهذه المسألة من هذا المدخل وحينئذ نستطيع أن نفرّق بين حكم الحادثة الواحدة ذات الخصائص والحيثيات الواحدة، وإن مرت عليها عصور متتابعة - ونجزم بأن حكمها الأول في العصر الأول ينبغي أن يكون هو حكمها نفسه في العصور الأخرى، لأن شيئاً من خصائصها وحيثياتها لم يتغير، وإذا أردنا أن نغيّر حكمها من المشروعية إلى المنع علمنا أنه لا بد لنا من القول بالنسخ، والنسخ ليس لأحد من البشر، وإنما الذي ينسخ الأحكام هو الشارع، وقد انقطع بعد انقطاع الوحي، وبهذا نستطيع أن نفرق بين هذه الصورة - وبين الصورة الأخرى وهي انتقال الحادثة في الزمن
(١) اخترت هذا المثال لوضوحه وأدائه المقصود وستأتي أمثلة كثيرة متصلة بأبواب كثيرة في الفقه الإِسلامي، عند مناقشة أدلة القائلين بالتغيير.