للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بآثارهم ليس فيه مايدعو للعجب، فهم أولى بالاتباع لأن الحق لا يخرج عنهم وكل واحد منهم لنا فيه قدوة.

وأما موقف ابن عمر مع ابنه فهو الحق في بيان أدب التربية والتعلم، فإن طالب الحق مجتهداً أو غير مجتهد إذا تبين له نص أو معنى شرعي يوجب تخصيص نص آخر أو تقييده لا يجيز له ذلك أن يقسم ويصرح بالمخالفة .. بل عليه أن يبين أن ذلك النص قد خصصه أو قيده أو نسخه نص آخر، فإنكار ابن عمر في موضعه فكيف يقال لأحد أن رسول الله أمر أو نهي أو أذن، فيقول لا آذن والله، بل الحق أن يقول أن هذا الأذن له شروط مذكورة في موضع آخر ثم يستكمل الاستدلال هذا بالنسبة لبيان وجهة ابن عمر .. أما ابنه - رضي الله عنه - فإنما أخذته الغيرة الشديدة على الدين كما قال ابن حجر (١) فحملته على أمر غيره أولى منه وأسلم - والله أعلم.

٣ - حد الخمر: قال مستدلًا على أن الأحكام تتبدل بتبدل المصالح: "حرم الشارع الخمر وبين ما فيها من مفاسد، وما يعقب اجتنابها من مصالح كما سبق بيانه، ولكن ليس كل النفوس تتمثل خوفاً من عقاب أخروي أو رغبة في ثواب كذلك بل منها من لا يزجره إلّا أن يرى العذاب رأي العين، فشرع الشارع الحكيم لمن يشرب الخمر فأمر بضربه كما رواه أبو داود بسند عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجل قد شرب فقال: "اضربوه" قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان" وفي بعض الروايات تقدير ذلك بأربعين وفي بعضها: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حثا في وجهه التراب" وفي بعضها بعد الضرب قال لهم "بكتوه" (٢).

وروى البيهقي بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس: "أن الشراب كانوا


(١) فتح الباري ٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩.
(٢) معنى بكتوه أي وبخوه، انظر سنن أبي داود رقم ٤٣١٢.

<<  <   >  >>