للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعليل الأحكام فذلك مسلم، بل هو مذهب أكثر أهل السنّة ما عدا نفاة القياس (١).

ثانياً: أما إذا كان يريد أن يثبت أن بعض الأحكام يتبع المصلحة وأن هذه الأحكام تتبدل بتبدل الزمان وأن هذا إجماع الصحابة فهذا غير مسلّم، وقد مر بيان أن ما استدل به سابقاً لا يدل له البتة.

أما استدلاله بهذا المثال فلا يدل له على دعواه، وبيان ذلك أن هذه المسألة - وإن كان سندها العمل بالمصلحة، إلّا أنها ترجع إلى أصل كلي, وهذه شهادة من الشارع لها بالاعتبار، ولنتعرف الآن على الأصل الكلي وعلى المصلحة المعتبرة هنا، والأصل الكلي -كما مر بيانه- هو أن الشارع اعتبر المظنة في الأحكام أصلاً شرعياً كلياً والدليل عليه الاستقراء، فتأخذ المظنة حكم المظنون (٢).

ويبقى النظر بعد ذلك في دخول مسألة "حد الشرب" تحت هذا الأصل فقد تشاور الصحابة فعلموا أن الشرب مظنة القذف فأعطوه حكمه فقال علي - والصحابة له موافقون: "تراه إذا سكر هذى وإذا هذي افترى، وعلى المفتري ثمانون، فقال عمر بلغ صاحبك".

فهي مسألة كان لها حد مقدر في الشرع، وإنما كان يطبق الحد المقدّر الذي يتم به الردع والزجر، وورد في بعض الأحاديث أن الصحابة حرزوه أربعين لما سألهم أبو بكر - رضي الله عنه - عن ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣)، ثم هو أربعين، ثم اجتمع الصحابة وتشاوروا واعتمدوا في ذلك على المصلحة الشرعية التي شهد الشرع لجنسها، فجعلوه ثمانين كحد القذف لأن المظنه تأخذ حكم المظنون ..


(١) انظر ما سبق ص ٣٨٣.
(٢) انظر المسألة فيما سبق ص ٤٣٣ - ٤٣٤.
(٣) سنن أبي داود ٤٣٢٤.

<<  <   >  >>