فكيف يتصور أحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل من أحد معارضة النصوص بالمصلحة، التي يدعوا لها هؤلاء الكتاب!
ولذلك لم يقبل أبو بكر من أحد شيئاً من ذلك حتى مع أنهم مجتهدون بل بيّن ووضح، قال الإِمام الشاطبي:"ولما منعت العرب الزكاة عزم أبو بكر على قتالهم، فكلمه عمر في ذلك، فلم يلتفت إلى وجه المصلحة في ترك القتال، إذْ وجِدَ النصُ الشرعي المقتضي لخلافه، وسألوه في رد أسامة ليستعين به وبمن معه على قتال أهل الردة، فأبى لصحة الدليل عنده بمنع رد ما أنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"(١).
فهذه القصة تصلح مثالاً لمقابلة المصلحة للنص، وفي النهاية تحمل دلالة قوية على أن المصلحة المقابلة للنص لا عبرة بها حتى وإن كانت من كبار المجتهدين.
وبعد هذا لا ينبغي لأحد أن يتصور أن المصلحة يمكن أن يُعارض بها النص، وأنّ أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعارض أمره - وهو يعلم - بالمصلحة فضلاً أن يقره رسول الله على ذلك، والله أعلم.
ومن المفيد هنا أن نقول إن كل ما في جيل الصحابة - رضي الله عنهم - ورضوا عنه، موضع للقدوة الباركة، حتى اجتهادهم الذي يعلمون أنه بعد ذلك مخالف للصواب فيرجعون عنه، هو موضع قدوة، لأن فيه معنى الرجوع إلى الحق واطّراح مجرد التفكير البشري، والصبر عن متابعة رغبات النفس وحظوظها.
وما أشد حاجتنا اليوم إلى مثل هذه الأخلاق الإِيمانية والمواقف العظيمة التي لا يتحقق الصدق في الدين إلا بها.
٦ - استدل المؤلف أيضاً على ما سبق - من قوله: إن من الأحكام ما يدور مع المصلحة ويتبدل بتبدلها وأن الصحابة مجمعون على ذلك بما روى