للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالبحث عن الأصول المعينة بل كانوا يبحثون عن علل تلك الأصول لأجل القياس عليها ما وقع وما لم يقع وشتان بين الأمرين" (١).

ثم أخذ في ذكر السبب الذي يراه تفسيراً لاعتماد الأصوليين على أصل معين:

فقال: " .. هذا - في نظري - هو سر عناية الأصوليين بالرد إلى أصل معين في تعليلهم، فعلوا ذلك ليدفعوا عن أنفسهم تهمة التشريع بالهوى أولاً، وليوفروا على ذلك الفقه التقديري أحكامه ثانياً، وليأمنوا الخطأ في الاستنباط والتخريج ثالثاً، كما قال إمام الحرمين: "إنه لم يصح عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضبط المصالح التي تنتهض عللًا للأحكام، ولا إطلاق تعليق الحكم بكل مصلحة تظهر للناظر وذي رأي، فمسالك الضبط النظر في مواقع الأحكام مع البحث عن معانيها، فإذا لاحت وسلمت تبين أنه معنى متلقى من أصول الشريعة وليس حائداً عن المآخذ المضبوطة، فهذا هو المسلك الحق في درك وقوع المعنى في ضبط الشرع، ولهذا رد الحذاق (يعني من الأصوليين) إلى أصل معين، فإن صاحبه يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشارع بمثلها" (٢) ويعتبر الشلبي أن كلام الجويني اعتذار عن منهج الحذاق من الأصوليين يمكن أن يقبله هو مع أنه لا يسلّم ولا يرجع عما وصف الأصوليين به، فالخطأ متحقق فيما فعلوه من طلب الأوصاف الظاهرة واتباعها، وطلب أصل معين يردون إليه العمل بالمصلحة، يقول مناقشاً القائلين باشتراط رد المصلحة إلى أصل معين: "وَيرُدُ على هؤلاء أن الأدلة قامت على اعتبار المصلحة وإن لم تستند إلى أصل معين، فدعوى قيام الدليل على انتفاء العمل بها بناء على عدم الدليل الدال على اعتبارها مجرد كلام لا يسنده برهان، (وكلامه هذا مع الأصوليين) وأما مسألة الضبط التي قالوا، فاحتياط يُسلم لهم لو كان له ركن يعتمد عليه، أما وأنه أمر مخترع لم ينقل لنا عن أحد من الصحابة الذين هم القدوة في كل شيء بعد


(١) رسالة التعليل ١٥١.
(٢) رسالة التعليل ١٥٣ - البرهان ٧١٠ - ٧١٥ - ٧٤٢.

<<  <   >  >>