للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الجويني: "فإنه لم يصح عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضبط المصالح التي تنهض عللاً للأحكام، ولا إطلاق تعليق الحكم بكل مصلحة تظهر للناظر وذي رأي، فمسلك الضبط: النظر في مواقع الأحكام مع البحث عن معانيها، فإذا لاحت وسلمت تبين أنه معنى متلقى من أصول الشريعة، وليس حايداً عن المآخذ المضبوطة.

فهذا هو المسلك الحق في درك وقوع المعنى في ضبط الشرع، ولهذا رد الحذاق (الاستدلال الذي لا يستند) إلى أصل، فإن صاحبه لا يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشرع بمثلها" (١).

والسبب الذي أوقع المؤلف في الخطأ، أنه حذف من كلام الجويني قوله: "فإن صاحبه لا يأمن من وقوعه .. " حذف كلمة "لا" ليصبح الكلام: "فإن صاحبه يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشارع بمثلها".

وأقول أن النص الذي نقله - مع أنه اجتهد فيه كما أشار هو (٢) إلّا أنه مع ذلك لا يدل له على ما أراد، وإليك تحليل نص البرهان سواء بقراءة محققه الأستاذ عبد العظيم الذيب، أو بقراءة صاحب كتاب تعليل الأحكام وذلك في النقاط التالية:

١ - أن القراءة واحدة ما عدا حذف كلمة "لا" أو عدم حذفها.

٢ - أن النص ورد فيه صراحة أن الصحابة لا يتبعون كل مصلحة تظهر للناظر ولا يطلقون ذلك، وليس عندهم ضبط للمصالح يمنع من اتباع كل


(١) مسألة رقم ٧٨٧، وقارن بين هذا النص وبين ما ورد في مسألة رقم ٧٦٠، ٧١٥ ومنه قوله عن الصحابة: "وقد أوضحنا بالنقل المتواتر عنهم أنهم كانوا يقدمون ويثبتون الأحكام على وجوه الرأي واعتبار المسكوت عنه بالمنصوص" وهذا كلام صريح في أنه يعتقد أن الصحابة يبنون اجتهاداتهم على الأصول الشرعية، ترى لو أن المؤلف تروى في فهم النص ومراجعة النصوص الأخرى هل ينسب إلى الصحابة - رضوان الله عليهم - تلك المقالة.
(٢) رسالة تعليل الأحكام ١٥٣.

<<  <   >  >>