٢ - "أن الشارع توسع في بيان العلل والمصالح في تشريع هذا النوع، عكس العبادات، وهذا تنبيه منه سبحانه إلى أننا نسلك هذا الطريق ونسير بمعاملاتنا في وادي المصالح ولا نجمد على المنصوص الذي ربما ورد لمصلحة خاصة، وبطائفة خاصة وبإقليم خاص، وفي زمن خاص، وحاشا لشريعة الخلود أن تلزم الناس بهذا الأصر والأغلال التي صرحت في غير موضع بأنه رفع عنهم (١).
٣ - "إنّ أرباب العقل في زمن الفترات قد اعتبروا المصالح في كثير من العادات فلما جاءت الشريعة أقرت منها الشيء الكثير وعدلت ما انتابته عوامل متنازعة من الإِصلاح والإِفساد، ولم تبطل إلّا ما كان منشؤه هوى النفوس وطغيان الشهوات وأما عبادتهم فقد ضلت فيها عقولهم، ولهذا هدمت الشريعة غالبها إلّا ما نقل لهم من شريعة الخليل - عليه السلام -.
بعد اتفاق العلماء على هذا القدر، اختلفت أنظارهم في أمر وراء هذا هو اعتبار التعبد فيها أوْلا، فمنهم من يخرج بها عن التعبد ويجعل الميزان الصحيح هو المصالح فقط، بيْدَ أنه لا يدعي خروجها عن التشريع، بل يعترف أنه ماض فيها، ولكن من هذا الطريق حسبما أرشدنا الشارع اجمالًا وتفصيلًا، ويرى فريق آخر أن التعبد له نصيب في هذا النوع لا يليق بالمكلف إهداره، فإذا ظهر التعبد في شيء وجب التسليم به والوقوف مع النصوص ... استند هذا الفريق في مدعاه "وهو أن المعاملات ملاحظ فيها التعبد التي أمور منها":
ثم أخذ في ذكرها ومناقشتها ..
وقبل ذكر هذه الأدلة ومناقشتها نحصّل ما يريد قوله من كلامه السابق، وهو كما يلي:
١ - أن العبادات قصد بها في الشرع - أولًا وآخرًا - الامتثال ولا دخل لاعتبار المصالح فيها.
(١) تعليل الأحكام ٢٩٦ - ٢٩٧ - وقارن مع الموافقات ٢/ ٢٢٥ - مع أنه بنى عليه معنى غريب لم يذهب إليه الشاطبي.