علمنا المعنى اتبعناه تحقيقًا للمصلحة، وأنه لا بد من إقرار الشارع وشهادته لهذا المعنى بالمناسبة، وإلّا تبينا أن هذا الذي ظنناه مصلحة ليس كذلك ..
وأما الشلبي فإنه يسير فيما يخدم دعواه، ولذلك تجده لم يذكر الضوابط التي ذكرها الإِمام الشاطبي، ولم يحرر المسألة كما حررها، فبينما تجد الشاطبي يصرح بما أقرته الشريعة، ويبين أنه جملة من الأحكام، تجد الشلبي يقول:"أقرت منها الشيء الكثير ... ولم تبطل إلّا ما كان منشؤه هوى النفوس وطغيان الشهوات" هكذا على سبيل الحصر .. لم تبطل إلّا المصلحة التي حمل عليها هوى النفس وطغيان الشهوات، وأما التي حمل عليها العقل فشيء آخر، فإذا ما جاء أحد من العقلاء - في غير طغيان ولا هوى - وقال إن هذه مصلحة فاتبعوها فينبغي أن نتبعها لأن بعض المصالح التي جاءت بها بعض النصوص تتغير وما دام إقرار الشارع لها ليس شرطًا والضبط أمر مخترع فلا بد من اتْباعِ العقلِ بدون الرجوع إلى أصل معين.
والحق أنه لا عبرة بمثل هذا النوع من المصالح ما لم يشهد له الشرع بعدم الرد، فإن رده فهو مردود سواء أكان الحامل عليه هوى نفس أو طغيان أو نية خالصة تريد النفع والخير (١) وذلك أنه قد تقرر على سبيل القطع أن العقل ليس بشارع، وأنه لا يستقل بإدراك المصالح ودفع المفاسد، وأنه لا بد من شهادة الشارع للمصلحة بأحد المسالك المعروفة فإن لم يشهد ورد - ذلك الذي ظنناه مصلحة - فإنه مردود بالإِجماع، والعبرة بما حده الشرع وبينه ..
وأستطيع هنا أن أقول - نقضًا لما زعمه شلبي وبيانًا للحق - أن هذا
(١) وكم وقع العبّاد والزهاد وكثير من الدعاة في مثل هذا، يقولون إن هذا طريق إلى الآخرة، وهذا طريق التي الغاية المطلوبة بنية خالصة، ثم لا يدركون مبتغاهم، وينضاف التي ذلك مجاوزة الشريعة وعدم الوقوف عند ما حدته أو الرجوع إلى ما يخالف المصلحة - بزعمهم - بالتأويل ونحوه، ولا بد لكل مسلم أن يقف عند ما حدته الشريعة، وإنْ نازعته نفسه تطلب اتباع المصالح المزعومة.