لها مكانة جديدة وقصدًا صالحًا، كعادة الكرم والشجاعة، فإذ انظرت لها في الإِسلام وجدتها تحمل معاني جديدة وصفات بديعة وطبيعة مستقلة حتى لكأنها ليست هي تلك العادة الموجودة عند الأمم الأخرى وإن كانت تأخذ الصورة نفسها، ولأن الانحراف والاستقامة والضلال والهدى يعتوران البشرية فلا ينقطع أحدهما، بل تارة يغلب هذا، وتارة يغلب ذلك - بقدر ما يبذله البشر من جهد نحو الاستقامة والهدى، أو بقدر ما ينحدرون فيه من الانحراف والضلال، فإن هذه العادات وتلك الأعراف التي تعيشها الأمم يعتورها الضلال والهدى والانحراف والاستقامة أيضًا ومن ثم كان للإِسلام موقفه المحدد منها تمامًا كما كان موقفه منها أول مرة، فيكون هو الحاكم عليها يبطل منها ما يبطل، ويقبل منها ما يقبل حسب منهجه ومفاهيمه ومقاصده ولذلك تجد الأعراف والعادات تخضع عند الفقهاء رحمهم الله تعالى لميزان الشريعة فما قبلته الشريعة حسب مفاهيمها ومقاصدها فهو عادة حسنة وعرف حسن، وما أبطلته فهو عادة قبيحة وعرف قبيح، تمامًا كما نقول فيما يظنه الناس مصلحة، فنقول هذه مصلحة لأن الشريعة حكمت بذلك، وهذه ليست مصلحة لأن الشريعة حكمت بأنها مفسدة، وهذا هو القدر المشترك بين المصالح والعادات والأعراف، وهو شديد الإتصال بقضية البحث، فإن أكثر الناس - وتابعهم على ذلك بعض الباحثين - قد حكموا ما يرونه مصالح وما درجوا عليه من العادات والأعراف، فجعلوها حجة على الشريعة، فغيروا منها ما غيّروا، وزعموا بذلك أنهم يطلبون الإِصلاح والتوفيق، والمصالح، ويتبعون العادات والأعراف، وما علموا أنهم بذلك ينحرفون عن الحق ويتنكبون طريق هذه الشريعة، ولو استقاموا عليها لنبذوا تلك الانحرافات العقائدية والعملية التي سموها عادات وأعرافًا ومصالح فإن الشريعة لم تُسلّم بدعوى الخلق أن هذه مصلحة أو عرف حسن أو عادة طيبة، بل وضعت الضوابط لتلك الأعراف والعادات التي لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات فقبلت منها ما قبلت وأبطلت منها ما أبطلت، ووجهتها في القبول والإبطال تحقيق معنى العبادة لله وحده، وإلزام الناس بالحق، وتكليفهم بإقامة العدل الرباني في الأرض، وعلى ذلك ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وأبطل عادات