والخارجية، العام منها والخاص، والرسل والعلماء والأمم أمام ذلك كله ملزمون بالخضوع والانقياد والطاعة والإِذعان، وإلا فهو الهلاك والفساد والضلال والانحراف، لا تنجي منه عقول العقلاء ولا حكمة الحكماء، وقد حقق الرسل واتباعهم تلك العقيدة فأقاموا العدل الرباني في الأرض واستقاموا على الطريقة المثلى، وبقدر ما انحرف الناس عن ذلك المنهج والطريق بقدر ما أصابهم من الفتنة والانحراف والفساد، ذلك أن مصدر الخير والسعادة والفلاح هو تلك الشريعة، وجعلها الحكم الأول والأخير على كل شيء، وأما العقول البشرية فهي مصدر الاضطراب والحيرة والشقاء والانحراف، وواقع البشرية - التي منحها الله نعمة العقل - خير شاهد قديمًا وحديثًا في كل فترة انحرف فيها العقل عن أحكام هذه الشريعة المصدر الرباني للهدى والعدل. وكون العقل وحده لم يأت للبشرية - في مجال العقيدة والأحكام - بخير، وكون الشريعة هي الخير كله، لك ذلك لا يمكن أن يتغير مفهومه وينقلب مهما تغيرت الأزمان والأمكنة، ومن هنا فإن نتاج العقل البشري الذي لا يلتزم بالشريعة لا يصلح معارضًا لأحكامها، ولا يُقدم عليها، وهذه عقيدة بينة لا يجوز لأحد أن يخالفها، ومن هنا تسقط تلك الشبهة العريضة من أن أحكام المعاملات والنظام الاجتماعي قد تتغير لتغير مصالحها ومن ثم لا بأس بتبديلها (١).
والجواب الذي يقطع دابر هذه الشبهة، وقد سبق ما يكفي في ذلك - هو أن تغير الأحوال والأزمنة لم تغفله الشريعة بل وضعت له أحكامًا تخصه كما قلنا، فاختلاف الأزمنة التي تأتي على المسلمين فترة القوة، وفترة الضعف، جعل الله لكل زمن حكم يخصه في حال القوة، وكذلك في حالة المجاعة والحاجة وفي حال الاكتفاء، أمر في الأولى بعدم قطع السارق، وفي الثانية بالقطع، وهكذا ولا تعني مراعاة الشريعة للأزمان والأحوال والقدرات أنها تركت تحديد المصلحة وتشريع الحكم للعقل البشري، كلا فإنها لم تترك ذلك له لا في العبادات ولا في المعاملات ولا فيما يسميه بعض المحدثين النظام الاجتماعي، ولا وجه للتفريق