اختلفوا لم يكن إجماعًا، وهم في الحالين هم تلك الصفوة المختارة التي تحدثنا عنها ولا غرابة في وقوع التفاوت بينهم في الفهم، لأنهم يعملون من واقع الأرض من خلال الجهد البشري الملتزم بمنهج الله، الموقن به والمحافظ عليه، والجهد البشري يتفاوت في قوته وكماله، وضعفه ونقصه، فيبلغ أشده من الكمال والصفاء والوضوح فيكون حينئذ التعرف الكامل على حكم الله من هؤلاء المجتهدين والقطع بذلك في صورة جماعية، تتفق على استنباط ذلك الحكم من الشريعة لتلك الواقعة المطلوب معرفة حكمها، ولهذا الجهد منزلته في الشريعة وسيأتي الحديث عنها، وتارة يضعف الجهد وينقص فلا يبلغ أشده من الكمال والصفاء والوضوح، وذلك لأسباب بشرية منها ما يرجع إلى تفاوت إدراك المجتهدين، ومنها ما يرجع إلى طبيعة الحادثة التي يُراد بيان حكم الله فيها، فتكون من الخفاء والالتباس بحيث يختلف المجتهدون في تحديد حقيقته: فيقع بين المجتهدين الاختلاف في بيان حكمها الشرعي، ومن ثم فإن الشريعة جعلت لهذا الجهد منزلة دون المنزلة السابقة وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله، وجهد هؤلاء المجتهدين - سواء حالة اجتماعهم واتفاقهم أو حالة عدم اتفاقهم - هو خلاصة أفهامهم الشرعية التي تكون منها الفقه الإِسلامي، فما اتفقوا عليه دخل في الإِجماع، وما سوى ذلك دخل في الاجتهادات المختلف فيها.
وبهذا الاعتبار ندرس منزلة كل منهما ونتعرف على كيفية تحقق الثبات والشمول فيهما والله الموفق.
* * *
= والمناسبة بين المعنى اللغوي والشرعي ظاهرة، إذ أن المجتهدين يعزمون أمرهم على طلب الحق، فإذا اتفقوا على أمر كان ذلك منهم إجماعًا عليه، وقد ذكرت هذا الشرح للإِيضاح.