للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد حقت عليه العقوبة .. فما بالك بسبيل المؤمنين وهم مجتمعون في مثل عصر الصحابة - رضوان الله عليهم -، وعصر التابعين، ومن بعدهم، أفلا يكون اجتماعهم حجة، بل ما بالك بإجتماع الأمة كلها على أمر وتلقيها له بالقبول، أفلا يكون كذلك، ومن عجب أن هذه الآية وتلك الأحاديث لم تسلم من الاعتراضات، فإن سلم الدليل عند بعض الأصوليين من الاعتراض على سنده، لم يسلم من الاعتراض على دلالته. ولعل في هذا الذي ذكره الإِمام الشاطبي ما يحول بينهم وبين هذه الطريقة التي تعودوها في الاستدلال والمعارضة والجدل.

ولقد نعلم أن كثيرًا ممن لا يأخذون هذه المسألة مأخذ الشاطبي يعتقدون عصمة الأمة في عهد الصحابة بلا شك لأنهم معصومون في مجموعهم على الخطأ - رضي الله عنهم - ورضوا عنه.

ونعلم أيضًا أن هؤلاء الأصوليين لو سلكوا مسلكهم ذلك في الاستدلال لم تسلم الأدلة لهم على عصمة الأمة في أي عصر كان، وهم كما قلت يعتقدون عصمة الصحابة وعدالتهم، فلو أنهم سلكوا مسلك الشاطبي في الاستدلال وبنوا عليه ما يعتقدون من عصمة الصحابة، وذلك يترتب عليه القول بعصمة الأمة في ذلك العصر، وعلموا أنه لا فرق في دلالة الأدلة على عصمة الأمة في العصر الأول والذي بعده وهكذا، لسلمت لهم الأدلة وبنوا عليها مطمئنين حجية الإِجماع، وزالت عنهم جميع الإِشكالات التي منها:

١ - أن الآيات ليست نصًا في إثبات الحجية وإن كانت تقوى من حيث الثبوت.

٢ - أن الأحاديث نص في إثبات الحجية وإن كانت لا تقوى من حيث الثبوت.

وقد خرج بعض الأصوليين من هذا حيث قرروا أن الأحاديث تقوى على إثبات الحجية كما أسلفنا، وبهذا ثبتت عندهم الحجة للإِجماع (١).

ومع هذا الذي توصلوا إليه، لا يمنع أن أقول أن أسلوبهم في الاستدلال


(١) المستصفى ١/ ١٧٤، ١٧٥ وكشف الأسرار ٣/ ٢٥٤ - ٣٥٥.

<<  <   >  >>