للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المعنى موجود في تعريف الأصوليين للإِجماع، فقد اتفقوا على أن الاجماع إنما يقع من المجتهدين، فلا بد إذن من الاجتهاد، ولا بد للاجتهاد من مستند. وأما قولهم أن انعقاد الإِجماع عن دليل يلغي فائدته، ثم إنه قد وقع، والوقوع دليل الجواز، ومن أمثلة وقوع الإِجماع عن غير مستند بيع المراضاة وأجرة الحمام .. فالجواب عنه:

أولًا: أن وقوع الإِجماع عن مستند فائدته أن الإِجماع على الاستدلال بهذا المستند يزيده قوة إلى قوته، ويسهل رفع الخلاف عن المسألة - إن كان ثم خلاف - ويمنع النظر فيها بعد ذلك، إذ أن النظر في الحكم الذي ثبت الإِجماع عليه حرام قطعًا (١).

ثانيًا: أن ما ادعوه من أن بعض الأحكام مجمع عليها من غير سند مردود بل إن العلماء اعتمدوا فيها على سند وبيان ذلك:

"أما الاستصناع فقد كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكره، وتقريره - صلى الله عليه وسلم - دليل وسند شرعي، وبيع المراضاة وهي المعاطاة لا إجماع فيها لأنها لا تصح عند الإِمام الشافعي على قول، وأجرة الحمام مقدرة بالعرف، وأخذ الخراج للإِمام تصرف بحسب المصلحة. ولا إجماع في زكاة الحلي" (٢) فهذه المسائل إما أن يكون لها سند شرعي، وإما أن لا تكون من مسائل الإِجماع، وقد بين شيخ الإِسلام ابن تيمية حكمة وجود مستند الإِجماع فقال: "وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصًا عن الرسول، فالمخالف لهم مخالف للرسول كما أن المخالف للرسول مخالف لله ... فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلّا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإِجماع فيستدل به .. كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإِجماع، وكل من هذه


(١) مجموع الفتاوى ١٩/ ١٩٤، ١٩٥، ٢٠٠، وكشف الأسرار ٣/ ٢٦٣، وأصول الفقه وابن تيمية ١/ ٣٠٦ إلى ٣١٢.
(٢) وانظر بيان شذوذ هذا الرأي في الإِجماع للفرغلي ٢٧٢ وما بعدها، وأصول الفقه وابن تيمية ١/ ٣٠٦ إلى ٣١٢.

<<  <   >  >>