للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفرق بين هذا المذهب ومسلك الرازي أن الأخير أخرج المعلوم من الفقه وهؤلاء أثبتوه، وجعلوا الفقه علماً، فما كان علماً فهو داخل في التعريف وماكان ظناً فالمقصود من دخوله في التعريف العلم بالعمل به، وهذا ما جاء في قول الآمدي: "فالعلم احتراز عن الظن بالأحكام الشرعية، فإنه وإن تُجوز بإطلاق اسم الفقه عليه في العرف العامي فليس فقهاً في العرف اللغوي والأصولي بل الفقه العلم بها أو العلم بالعمل بها بناء على الإدراك القطعي وإن كانت ظنية في نفسها" (١)، وقوله: "وإن كانت ظنية في نفسها" الظاهر أنه يرجع إلى القسم الثاني من القسمين المذكورين في قوله السابق وهما:

١ - العلم بالأحكام الفقهية.

٢ - العلم بالعمل بها .. وإن كانت ظنية في نفسها (٢).

فعلى هذا التفسير يكون الفقه شاملًا لما هو معلوم وما هو مظنون، وقد وافق القاضي أبو بكر الباقلاني (٣) جمهور الأصوليين فيما ذهبوا إليه، وخالفهم من وجه آخر، ولذلك لا بد من تحقيق مذهبه خاصة أنه شديد الصلة بما نحن فيه.

تحقيق مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني:

يتكون مذهب القاضي من شقين:

الأول: أن الفقه ليس مقتصراً على الظن، فقد أدخل المعلوم في الفقه وجعل الظن مقتصراً على الظواهر وخبر الواحد والأقيسة المظنونة.

الثاني: يتمثل في مخالفته جمهور الأصوليين في أن الظنون التي تنتجها هذه الأدلة لا مرجح لبعضها على بعض، بل الترجيح بالاتفاق، وليس هناك دليل يوجب ترجيح ظن على ظن.


(١) الإِحكام للآمدي ١/ ٦.
(٢) قال ابن الجويني في البرهان: "أن العلم بوقوع الظن مقطوع به" ٢/ ٨٧٤ - ٨٧٥.
(٣) هو محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر المعروف بالباقلاني أو بابن الباقلاني توفي سنة ٤٠٣، شذرات الذهب ٣/ ١٦٠ و ١٦٨ - ١٧٠ لإبن العماد الحنبلي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، والإعلام ٧/ ٤٦، خير الدين الزركلي، الطبعة الثالثة.

<<  <   >  >>