للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواقع لنقرر في جزم أن هذه المقالة ليست بصواب، ذلك أنه من العلم الذي لا شك فيه بتة أن هذا المصطلح لا حفظ كليات الشريعة، ولا أبعد الخلاف عن أصولها، بل هو السبب في ذلك، والدليل الذي يثبت ذلك يتكون من شقين:

الأول: أن أصحاب هذا المصطلح من أهل الكلام هم أشد الناس اختلافاً وتنازعاً وتكفيراً وتبديعاً لبعضهم البعض، فإن فرق المتكلمين (١) المختلفة المتباغضة أثبتت بواقعها المشهود أن ما تزعم أنه علم قطعي إنما هو فساد وشر وظنون مرديات وأهواء متقلبات (٢)، أما "الفقه الإِسلامي" كما هو عند الصحابة وأئمة السلف ومن سار على نهجهم وتجافى عن أصول المتكلمين فإنه العلم الحقيقي، بل هو أحق باسم العلم من "الكلام" (٣). فقد غرق علم الكلام في خضم الفلسفات الأجنبية عن الإِسلام وسلم الفقه الإِسلامي من هذه المحنة، يقول د. محمد فوزي فيض الله: "إن الفقه الإِسلامي يمثل الفكر الإِسلامي الأصيل والروح الإِسلامية الأصيلة، فقد ابتنى على الكتاب والسنة وعلى غيرهما (٤) مما أقامه الشارع دليلاً يهتدى به في التشريع حينما لا يوجد نص فيهما.

وقد التزم الأئمة المجتهدون والفقهاء رحمهم الله تعالى هذه الأدلة التي نصبها لهم الشارع فلم يتأثروا في اجتهادهم وفقههم بمؤثرات أجنبية، وكانوا أمناء على هذه الشريعة وهذا الفقه العظيم فلم يدسوا فيه أفكاراً ولا أحكاماً دخيلة، وهذا بخلاف علم الكلام فقد دخلته الفلسفات الأجنبية في مادته وفي صورته وفي طريقة بحثه فانطوت فيه مباحث لا تمت إلى الدين بصلة ولا قرابة، كمباحث ما وراء الطبيعة، ومباحث الجوهر والعرض، والحسن والقبح، وقضايا المنطق وأشكاله وما إليها.


(١) انظر تعيين الفرق، الاعتصام ٢/ ٢٠٦ وما بعدها.
(٢) وانظر شهادة الغزالي من أن علم الكلام هو الذي أثار الشرور والفتن، انظر كتاب أبو حامد الغزالي والتصوف، ٤٢٢، وقد نقل نصوصاً متعددة تدل على هذا فراجعه، مع أنه قد صرح في أول حياته أن علم الكلام ضروري لحراسة كليات العقيدة ٤٩.
(٣) الاستقامة ١/ ٥٤.
(٤) أي من القياس والإجماع فهما من الطرق التي يتعرف بها على الحكم الشرعي.

<<  <   >  >>