للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان موقف السلف من "الكلام" كافياً في درء خطره لو أن أنصاره قاموا وتفكروا في اجتماع أئمة السلف ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وسفيان وغيرهم على ذم علم الكلام، وهل يُرجى منه حفظ لكليات الدين؟! وفي هذا موعظة لمن أراد أن يتوقى من الانحراف فيحذر من كل ما وصفه أئمة السلف بأنه بدعة.

وإن هذه الشواهد لكفيلة بأن تمنحنا دفعة قوية وعزيمة صادقة لتنقية مصطلحاتنا العلمية من آثار "علم الكلام".

ولنعلم بعد ذلك أن ما يسميه علماء الكلام بـ "العلم" لم يعرفه الصحابة، وأن ما وصفوه بأنه "ظن "علم" وهو "الفقه" هو الأمر المعلوم عند الصحابة رضوان الله عليهم، علموا أحكام أفعال العباد من الوحي، وعلموها للناس، ونشروها، وأخذها عنهم تلامذتهم، وعلموها لمن بعدهم، يعرفونها بأدلتها، ويعلمون وجه ارتباطها بالشريعة علماً بيّناً يفرّقون به بين الحق والباطل ويحكمون به مجتمعاتهم في جميع المجالات ...

وهذا هو العلم الذي بنى عليه الأئمة المعتبرون أمثال مالك وأحمد والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم أصولهم، فقد عرفوا الأحكام بأدلتها وانتشر الفقه الإِسلامي على أيديهم في بقاع الأرض، وكانت أحكامه معلومة قطعاً عند الأمة، وخفاء بعضها على بعض أهل العلم لا يلزم منه أن تلك الأحكام ليست معلومة، ولذلك لم يفقد من علم الفقه شيء، ولم يصبح الحق مضيعاً في هذه الأمة بل إن ما يجهله أحد العلماء يعرفه الآخر، وما يعرفه أحدهم على وجه الظن، يعرفه آخر على سبيل العلم وهكذا.

ولما نشأ علم الكلام واشتغل الناس به اتبعوا الظنون والأهواء وتفرقت بهم السبل، حتى حق عليهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو هريرة: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك، وتفترق

<<  <   >  >>