للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشهورين ومن حذا حذوهم واتبع آثارهم علمٌ أوجب لأهله الهداية والألفة وأبعدهم عن الضلالة والفرقة والظنون، وهذا معلوم من سيرة فقهاء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، فإنك لا تجدهم متباغضين متفرقين يتبعون الظن، بل تجدهم متوالين متحابين أهل سنة واحدة في الاعتقاد ومتفقين على فهمهم لأصول الشريعة وإن تفاوتت علومهم وإدراكاتهم لبعض مسائلها الجزئية، وذلك على الضد من حال علماء الفرق الجدليين فإن الخلاف بينهم أشبه بالخلاف بين أهل الشرك من اليهود والنصارى كما أشار إلى ذلك الحديث، فهو خلاف في أصول الشريعة تبعه فرقة وتباغض وتكفير وتبديع واختلاف في أصول الأحكام، وذلك كله ناتج عن مخالفة السنة في الاعتقاد والعمل، واتباع علم الكلام، وشتان بين العلم الذي تورثه هذه الشريعة لأهلها وبين ما ورثه علم الكلام للفرق الضالة (١).

ولعل في هذا تذكرة لمن أراد أن يعرف الفرق بين علم "الفقه" وعلم "الكلام" وأن أصحاب تلك المذاهب المقصّر منها والغالي قد جهلوا حقيقة الفقه، وأوقعتهم مصطلحات علم الكلام في تلك المقالات.

ولا يقال أن "للكلام" منفعة وهي دفع الشبه عن العوام، وقد بين الغزالي أنه ليس له سوى هذه المنفعة (٢).

ولا يمنعني انتشار سلطان المتكلمين في قرون كثيرة أن أقول أن إثم علم الكلام أكبر من نفعه، وقد أشار الغزالي إلى وجوب الحيلولة بين العوام وبين


(١) انظر في المقابلة بين الأمرين وآثارهما، كتاب الاعتصام ٢/ ٢٣١ - ٢٣٢، ولا يقال أن علماء الكلام اتفقوا على بعض الأصول وذلك مثل إثبات وجود الله، وإثبات الرسالة والمعاد، واحتكموا إلى العقل في كل ذلك، لأنا نقول أن إثبات الوجود لا يحتاج إلى كل ذلك الجدل فقد أثبته الكفار من قبلهم. وأما المعاد فمع إثبات أصله فقد اختلفوا فيه اختلافاً عجيباً، وأما أصلهم الذي يتلقون منه وهو العقل فقد اختلفوا في ماهيته ... ولذلك لما انحرفوا عن منهج الرسل في التلقي وتقرير أمور الدين لم يزدادوا إلّا فرقة ... ولم ينفعهم اتفاقهم في بعض الأمور ...
(٢) الإحياء ١/ ١٦٨.

<<  <   >  >>