للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذا الحديث بيانُ أن الأمانة ستَرفع من القلوب، حتّى يصير الرَّجل خائنًا بعد أن كان أمينًا، وهذا إنّما يقعُ لمَن ذهبتْ خشيتُه لله، وضعُفَ إيمانُه، وخالَطَ أهلَ الخيانَةِ، فيصيرُ خائنًا؛ لأنّ القرين يقتدي بقرينه.

ومن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور النَّاس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها؛ لأنّ في ذلك تضييعًا لحقوق النَّاس، واستخفافًا بمصالحهم، وإيغارًا لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم (١).

فإذا ضَيَّع مَنْ يتولَّى أمر النَّاس الأمانة - والناس تَبَعٌ لمَن يتولَّى أمرَهُم -؛ كانوا مثله في تضييع الأمانة، فصلاح حالَ الولاة صلاح لحال الرعية، وفساده فساد لهم.

ثمّ إن إسناد الأمر إلى غير أهله دليلٌ واضحٌ على عدم اكتراث النَّاس بدينهم، حتّى إنهم لَيولون أمرهم مَنْ لا يهتمُّ بدينه، وهذا إنّما يكون عند غلبة الجهل، ورفع العلم، ولهذا ذكر البخاريّ رحمه الله حديث أبي هريرة الماضي في كتاب العلم؛ إشارة إلى هذا.

قال ابن حجر: "ومناسبةُ هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنّما يكون عند غَلَبَةِ الجهل، ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط" (٢).


(١) انظر: "قبسات من هدي الرسول الأعظم - صلّى الله عليه وسلم - / في العقائد" (ص ٦٦) لعلّي الشربجي، الطبعة الأولى، (١٣٩٨ هـ)، ط. دار القلم، دمشق.
(٢) "فتح الباري" (١/ ١٤٣).

<<  <   >  >>