للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيناها عيانًا، فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وأُلْقِي الشحُّ في القلوب، وعمَّت الفتن، وكَثُرَ القتل" (١).

وعقب على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: "الّذي يظهر أن الّذي شاهده كان منه الكثير، مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك، حتّى لا يبقى ممّا يقابله إِلَّا النادر، وإليه الإِشارة بالتعبير بقبض العلم، فلا يبقى إِلَّا الجهل الصّرف، ولا يمنع من ذلك وجودُ طائفة من أهل العلم؛ لأنّهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك" (٢).

وقبض العلم يكون بقبض العلماء، ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: سمعتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقول: "إن اللهَ لا يقبِضُ العلّمَ انتزاعًا ينتزِعُه من العباد، ولكنْ يقبضُ العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يبقَ عالمًا؛ اتَّخذ النَّاس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا؟ فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا" (٣).

قال النوويُّ: "هذا الحديث يُبَيِّنُ أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلَقة ليس هو محوُه من صُدور حفَّاظه، ولكن معناه: أن يموتَ حملتُه، ويتَّخِذَ النَّاس جُهَّالًا يحكُمونَ بجهالاتهم، فيضلُّون


(١) "فتح الباري" (١٣/ ١٦).
(٢) "فتح الباري" (١٣/ ١٦).
(٣) "صحيح البخاريّ"، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، (١/ ١٩٤ - مع الفتح)، و"صحيح مسلم"، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن، (١٦/ ٢٢٣ - ٢٢٤ - مع شرح النووي).

<<  <   >  >>