للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُضِلُّون" (١).

والمراد بالعلّم هنا علم الكتاب والسُّنَّة، وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السّلام؛ فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وبذهابهم يذهب العلم، وتموت السنن، وتظهر البدع، ويعمُّ الجهل.

وأمّا علم الدُّنيا؛ فإنّه في زيادة، وليس هو المُرادُ في الأحاديث؛ بدليل قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "فسُئِلوا، فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا"، والضلال إنّما يكون عند الجهل بالدين، والعلّماء الحقيقيون هم الذين يعملون بعلمهم، ويوجِّهون الأمة، ويدلُّونها على طريق الحق والهدى؛ فإن العلم بدون عملٍ لا فائدة فيه، بل يكون وبالًا على صاحبه، وقد جاء في روايةٍ للبُخاري: "وينقص العمل" (٢).

قال الإمام مؤرِّخ الإسلام الذهبي بعد ذكره لطائفة من العلماء: "وما أوتوا من العلم إِلَّا قليلًا، وأمّا اليوم؛ فما بقي من العلوم القليلة إِلَّا القليل، في أناس قليل، ما أقل مَنْ يعمل منهم بذلك القليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل" (٣).

وإذا كان هذا في عصر الذهبيِّ؛ فما بالُكَ بزماننا هذا؟ فإنّه كلما بَعُدَ الزَّمان من عهد النبوَّةِ؛ قلَّ العلم، وكَثُر الجهل؛ فإن الصّحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم هذه الأمة، ثمّ التابعين، ثمّ تابعيهم، وهم خير


(١) "شرح النووي لمسلم" (١٦/ ٢٢٣ - ٢٢٤).
(٢) "صحيح البخاريّ"، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، (١٠/ ٤٥٦ - مع الفتح).
(٣) "تذكرة الحفاظ" (٣/ ١٠٣١).

<<  <   >  >>