للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسوقها إلى أولئك الذين يشلُّون عقولهم عن التفكير السديد الرشيد" (١).

ويُجاب عن كلام أبي عبية هذا بأنّه لم يقل أحدٌ: إن الطفل مكلَّف، ولا إن الله يبعث أطفالًا، وإنّما أراد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أن يطَّلع على أمر ابن صياد؛ أهو الدَّجّال حقيقة أم لا؟ لأنّه شاع في المدينة أنّه الدَّجّال الّذي حذَّر منه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وكان لم يوحَ إليه في أمر ابن صياد شيئًا، فرأى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أن ما يكشف دجله -وهو مميِّزٌ يعقل الخطّاب- أن يقول له: "أتشهد أني رسول الله؟ " ... إلى أن قال له: "إنِّي قد خبأت لك خبيئًا؟ " إلى غير ذلك من الأسئلة الّتي وجَّهها إليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -.

فليس المقصود بهذا الكلام تكليف ابن صيّاد بالإِسلام، وإنّما القصد إظهار حقيقة أمره، وإذا كان القصد ما ذكرنا؛ فلا غرابة أن يقف الرسول - صلّى الله عليه وسلم - ليرى جوابه، وقد ظهر من جوابه أنّه دجّال من الدَّجاجلة.

وأيضًا؛ فإنّه ليس هناك أي مانع في أن يَعرض النبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - الإسلام على الصغير؛ فإن البخاريّ رحمه الله أورد قصة ابن صياد وترجم لها بقوله: "باب كيف يُعْرَضُ الإسلام على الصبي" (٢).

وأمّا كون النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لم يعاقب ابن صياد مع ادِّعائه النبوَّة؛ فشبهة أثارها عدم اطلاع أبي عبية على أقوال العلماء في ذلك، وقد أجابوا عمَّا ذكره بأجوبة؛ منها:


(١) "النهاية/ الفتن والملاحم" (١/ ١٠٤).
(٢) "صحيح البخاريّ"، كتاب الجهاد، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي، (٦/ ١٧١ - مع الفتح).

<<  <   >  >>