فالمشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت، فهو يحبُّ طول الحياة، واليهوديُّ قد عرف ما له في الآخرة من الخزي، بما صنع بما عنده من العلم (١)، فهذا الجنس وما شاكله هم شرُّ النَّاس، فتجده ينتشر بينهم: الجشع، والطمع، وقهر الشعوب، واستعبادهم، وسلب ثرواتهم؛ حرصًا منهم على التمتُّع بلذَّات الحياة الدُّنيا، ولهذا يظهر بينهم الانحلال الخُلُقي، والسلوك البهيمي.
وهم إذا رأوا الحياة الدُّنيا تربو متاعبها وآلامها على ما يأملون من لذات عاجلة؛ لم يكن لديهم أي مانع من الإِقدام على الموت، فهم لا يقدرون مسؤولية في حياة أخرى، فليس لديهم ما يمنع من إقدامهم على التخلُّص من هذه الحياة.
من أجل هذا اهتمَّ الإسلام وجاء التأكيد في القرآن على قضية الإِيمان باليوم الآخر، واثبات البعث والحساب والجزاء، فأنكر على الجاهلين استبعادهم له، وأمر نبيه أن يقسم على أنّه حقٌ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧)} [التغابن: ٧]، وذكر من أحوال يوم القيامة، وما أعدَّه لعباده المتَّقين من ثواب، وما أعدَّه للعاصين من عقاب، ولفت نظر الجاحدين له إلى دلائل حقيَّتِه؛ استئصالًا للشَّكِّ مِن النفوس، وحتى يضع النَّاس نُصْبَ أعينهم هذا اليوم وما فيه من أهوالٍ
(١) انظر: "تفسير ابن كثير" (١/ ١٨٤)، تحقيق عبد العزيز غنيم ورميديه، مطبعة الشعب، القاهرة.