وهذا غلطٌ من جميعهم؛ لأنّه لم يدَّع النبوَّة، فيكون ما معه كالتصديق له، وإنّما يدَّعي الإِلهيَّة، وهو في نفس دعواه مكذِّبٌ لها بصورة حاله، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الّذي في عينيه، وعن إزالة الشّاهد بكفره المكتوب بين عينيه.
ولهذه الدَّلائل وغيرها لا يغترُّ به إِلَّا رعاع من النَّاس؛ لسد الحاجة والفاقة؛ رغبة في سد الرمق، أو تقيَّة، أو خوفًا من أذاه؛ لأنّه فتنة عظيمة؛ تدهش العقول، وتحيِّر الألباب، مع سرعة مروره في الأرض، فلا يمكث بحيث يتأمَّل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيصدِّقه من صدَّقه في هذه الحالة.
ولهذا حذَّرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنتّه، ونبَّهوا على نقصه ودلائل إبطاله.
وأمّا أهل التوفيق؛ فلا يغترُّون به، ولا يُخْدَعون لما معه؛ لما ذكرناه من الدَّلائل المكذِّبة له، مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول له الّذي يقتله ثمَّ يحييه: ما ازددت فيك إِلَّا بصيرة" (١).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "إن الدّجَّال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهَدَة في زمانه كما تقدّم أن من استجاب له يأمر السَّماء فتمطرهم، والأرض فتنبت لهم زرعًا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم، وترجع إليهم مواشيهم سمانًا لبنًا، ومن لا يستجيب له، ويرد عليه أمره؛ تصيبهم السَّنَة والجَدْب والقحط والقلة وموت الأنعام ونقص الأموال