للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة.

وهذا القول ذكره القرطبي، وردَّه بأن الدَّابَّة لو كانت إنسانًا يناظر المبتدعة، لم تكن الدَّابَّة آية خارقة وعلامة من علامات السّاعة العشر.

وأيضًا فيه العدول عن تسمية هذا الإِنسان المناظر الفاضل العالم الّذي على أهل الأرض أن يسمُّوه باسم الإِنسان أو العالم أو الإِمام إلى أن يسمَى بالدَّابَّة، وهذا خروجٌ عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء (١).

الخامس: أن الدَّابَّة اسم جنس (٢) لكلِّ ما يدبُّ، وليست حيوانًا مشخَّصًا معيَّنًا يحوي العجائب والغرائب، ولعلّ المراد بها تلك الجراثيم الخطيرة الّتي تفتك بالإِنسان وجسمه وصحته، فهي تجرح وتقتل، ومن تجريحها وأذاها كلمات واعظة للناس لو كانت لهم قلوبٌ تعقل، فترجع بهم إلى الله، وإلى دينه، وتلزمهم الحجة، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال؛ فإن من معاني التكليم التجريح.

وهذا القول هو ما ذهب إليه أبو عبيَّة في تعليقه على "النهاية/ الفتن والملاحم" لابن كثير (٣)، وهو رأي بعيد عن الصواب، وذلك لأمور:

أ - أن الجراثيم موجودة من قديم الزّمان، وكذلك الأمراض الّتي


(١) انظر: "تفسير القرطبي" (١٣/ ٢٣٦ - ٢٣٧).
(٢) في كون الدابة اسم جنس لدواب كثيرة ذكر هذا القول البرزنجي في "الإِشاعة" (ص ١٧٧)، ونسبه لتفسير ابن علان "ضياء السبيل"، وهذا القول لم يذكر له دليلًا صحيحًا يعتمد عليه.
(٣) (١/ ١٩٠، ١٩٩)، تحقيق محمّد فهيم أبو عبية.

<<  <   >  >>