للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى التجوُّز إِلَّا إذا تعذَّرتِ الحقيقة، لا سيما أن قوله هذا مخالفٌ لأقوال المفسرين؛ فإنهم ذكروا أن هذه الدَّابَّة مخالفة لما يعتاده البشر، فهي من خوارق العادات، كما أن طلوع الشّمس من مغربها أمرٌ خارقٌ للعادة.

وقد جاء في الحديث انهما يخرجان في وقت متقارب؛ قال - صلّى الله عليه وسلم -: "أول الآيات خروجًا طلوع الشّمس من مغربها، وخروج الدَّابَّة على النَّاس ضحىً، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها قريبًا" (١).

والذي يجب الإِيمان به هو أن الله تعالى سيخرج للناس في آخر الزّمان دابَّة من الأرض تكلِّمهم، فيكون تكليمها آية لهم دالَّة على انهم مستحقون للوعيد بتكذيبهم آيات الله، فإذا خرجت الدَّابَّة؛ فهم النَّاس، وعلموا أنها الخارقة المنبئة باقتراب السّاعة، وقد كانوا قبل ذلك لا يؤمنون بآيات الله، ولا يصدِّقون باليوم الموعود.

والذي يؤيِّد أن هذه الدَّابَّة تنطق وتخاطب النَّاس بكلام يسمعونه ويفهمونه هو انه جاء ذكرها في سورة النمل، وهذه السورة فيها مشاهد وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان -عليه السّلام-، فجاء ذكر الدَّابَّة وتكليمها النَّاس متناسقًا مع مشاهد السورة وجوها العام (٢).

قال أحمد شاكر رحمه الله: "والآية صريحةٌ بالقول العربي أنّها (دابَّة)، ومعنى (الدَّابَّة) في لغة العرب معروفٌ واضحٌ، لا يحتاج إلى تأويل ... ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه (الدَّابَّة)


(١) رواه مسلم (١٨/ ٧٧ - ٧٨).
(٢) انظر: "في ظلال القرآن" (٥/ ٢٦٦٧).

<<  <   >  >>