للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنّ الظنَّ هنا ليس هو الظن الغالب الّذي عنوه، وإنّما هو الشك والكذب والخرص والتخمين؛ فقد جاء في "النهاية" و"اللسان" وغيرهما من كتب اللُّغة: "الظنُّ: الشكُّ يعرض لك في شيء، فتحقَّقهُ، وتحكم به" (١).

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ (٢٨)} [النجم: ٢٨]؛ أي: ليس لهم علمٌ صحيح يصدِّق ما قالوه، بل هو كذبٌ وزورٌ وافتراءٌ وكفرٌ شنيعٌ، {لْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨)} [النجم:٢٨]؛ أي: لا يُجدي شيئًا، وَلا يقوم أبدًا مقام الحق. وقد ثبت في الصّحيح أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) (٢) " (٣).

فالشك والكذب هو الظنُّ الّذي ذمَّه الله تعالى، ونعاه على المشركين، ويؤيَّد ذلك قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦)} [الأنعام: ١١٦]، فوصفهم بالظنَ والخرص الّذي هو مجرَّد الحزر والتَّخمين، وإذا كان الخرص والتَّخمين هو الظن؛ فإنّه لا يجوز الأخذ به في الأحكام (٤)؛ لأنّ الأحكام لا تُبنى على الشك والتخمين.

وأمّا ما قيل من احتمال غفلة الراوي ونسيانه؛ فهو مدفوعٌ بما يُشترط في خبر الواحد؛ من كون كلّ من الرواة ثقةً ضابطًا، فمع صحة الحديث


(١) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (٣/ ١٦٢ - ١٦٣).
(٢) "صحيح مسلم"، كتاب البرّ والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس، (١٦/ ١١٨ - مع شرح النووي).
(٣) "تفسير ابن كثير" (٧/ ٤٣٤).
(٤) أنظر: "العقيدة في الله" (ص ٤٨ - ٤٩) لعمر سليمان الأشقر، طبع دار النفائس بيروت، نشر مكتبة الفلاح الكويت، الطبعة الثّانية، ١٩٧٩ م.

<<  <   >  >>