ظاهر باب شرقي بدمشق، ثم انتقلوا بعد سنتين من مسجد أبي صالح إلى جبل قاسيون في صالحية دمشق، وفي خلال هذه المدة كان موفق الدين يحفظ القرآن ويتلقى مبادئ علومه على أبيه أبي العباس -وكان من أهل العلم والفضل والزهد والصلاح- ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، وحفظ "مختصر الخرقي" في فقه الإمام أحمد، وغيره من الكتب، وما زال يتقدم حتى بلغ العشرين من عمره، فقام برحلة إلى بغداد وبصحبته ابن خالته الحافظ عبد الغني المقدسي، وكانا في سِنٍّ واحدة، وأقاما مدة يسيرة عند الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد، وكان الشيخ عبد القادر في التسعين من عمره، فقرأ موفق الدين عليه "مختصر الخرقي" قراءة فهم وتدقيق، لأنه كان يحفظه في دمشق كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، ثم توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، فلازم موفق الدين الشيخ أبا الفتح ابن المَنِّي، وقرأ عليه المذهب والخلاف، ولبث في بغداد أربع سنين، وسمع بها أيضاً من هبة الله بن الدقاق وغيره، ثم رجع إلى دمشق فأقام في أهله مدة وعاد إلى بغداد سنة (٥٦٧) هـ، فأمضى سنة أخرى، سمع فيها من أبي الفتح بن المنِّي وعاد إلى دمشق وبقي فيها، وقصد الديار الحجازية سنة (٥٧٤) هـ لأداء فريضة الحج، وعاد إلى دمشق، وشرع بتأليف كتابه العظيم "المغني" وهو شرح مطوَّل لكتاب "مختصر الخرقي" ويعد من مفاخر التأليف في الفقه الحنبلي خاصة والفقه الإسلامي بصورة عامة (١). وقد قال فيه سلطان العلماء العز بن عبد السلام: لم تطب
(١) وقد قام بتحقيقه وتخريج نصوصه وضبط ألفاظه وإعداد فهارسه الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الحلو، ونشرته دار هجر بالقاهرة، وهي أفضل طبعات الكتاب وأوسعها انتشاراً.