منكم حديثَ أبي بكر في الصَّدَقات (١)؟ فلم يكن فيهم من يحفَظُه، وكان عليَّ خُلقان، وأنا في آخر النَّاس، فقلت لوزيره: أنا أحفَظُه. فقال: ها هنا فتىً من نَيسَابور يحفَظُه. فقُدِّمت فوقهم، ورويت الحديث. فقال الأمير: مِثْل هذا لا يُضَيَّع. فولَّاني قَضاء الشَّاش.
وقال الحاكم: هو إمام عَصْره في هذه الصَّنْعة، كثير التَّصنيف، مقدَّم في معرفة شروط الصحيح، والأسامي، والكُنَى، طلب الحديث وهو ابن نيِّف وعشرين سنة، وسمع بالعِراق والجزيرة والشَّام.
قال: ولم يدخلْ مِصْر، وكان مقدَّمًا في العَدَالة أولًا، ثم ولي القَضاء سنةَ ثلاثٍ وثلاثين، إلى أن قُلِّد قضَاء الشَّاش، فحكم بها أربع سنين وأشهرًا، ثم قُلِّد قضاء طوس، فكنت أدخل إليه والمصنَّفات بين يديه، فيحكم ثُمَّ يقبل على الكتب، ثم أتى نَيسَابور سنةَ خمسٍ وأربعين، ولزمَ مسجدَه ومنزله مفيدًا مقبلًا على العِبادة والتَّصْنيف، وأُريد غيرَ مَرَّة على القَضَاء والتزكية فيستعفي، وكُفَّ بَصَرُه سنة ست وسبعين، ثم توفي وأنا غائب في ربيع الأول سنةَ ثمانٍ وسبعين وثلاث مئة، وله ثلاث وتسعون سنة.
وقال الحاكم أيضًا: كان أبو أحمد من الصَّالحين الثَّابتين على سنَن السَّلَف، ومن المنصفين فيما يعتقدُه في أهل البيت والصَّحابة، قُلِّد القَضَاء في أماكن، وصنَّف على كتابي الشَّيخين، وعلى جامع أبي عيسى، قال لي: سمِعْتُ عمر بن عَلَّك يقول: مات محمدُ بنُ
(١) انظر "صحيح البخاري": الزكاة، باب من بلغت عده صدقة بنت مخاض وليست عنده، وباب زكاة الغنم.