للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو القُدْرة، والقدرة هي العِلْم، وهما عَينُ الذَّات، ولا يدل العلم على معنى زائد على الذات المجرَّدة (١) أصلًا، وهذا عين السَّفْسَطة والمكابرة، وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق والفَلْسَفة، وأخذ المنطق عن محمد بن الحسن المَذْحجي، وأمعن في ذلك فتقرَّر في ذِهْنه بهذا السَّبب معاني باطلة، ثم نظر في الكِتاب والسُّنَّة فوجد ما فيهما من المعاني المخالفة لما تقرَّر في ذِهنه فصار في الحقيقة حائرًا في تلك المعاني الموجودة في الكتاب والسُّنَّة، فروغ في رَدِّها روغان الثَّعْلب، فتارة يحمل اللفظ على غير معناه اللغوي، ومرة يحمل ويقول: هذا اللّفْظ لا معنى له أصلًا، بل هو بمنزلة الأعلام، وتارة يرد ما ثبت عن المصدوق، كردّه الحديث المتَّفَق على صحته في إطلاق لفظ الصِّفات، وقول الذي كان يلزم قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لأنها صفة الرّحمن عَزَّ وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها، ومَرَّة يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله عَزَّ وجل، وفي كلامه على اليهود والنَّصَارى ومذاهبهم وتناقضهم فوائدُ كثيرة، وتخليط كثير، وهجومٌ عظيم، فإنه رد كثيرًا من باطلهم بباطلٍ مثله، كما رَدَّ على النَّصارى في التثليث بما يتضمن نفي الصِّفَات، وكثيرًا ما يَلْعَنُ ويكفر ويَشْتِمُ جماعة ممن نقل كتبهم كمتَّى ولوقا ويوحنَّا وغيرهم، ويَقْذَع في القَدْح فيهم إقذاعًا بليغًا، وهو في الجُمْلة لَوْن غريبٌ وشيء عجيب، وقد تكلَّم على نقل القرآن والمعجزات وهيئة العالم بكلامٍ أكثره مليح حَسَن.

ومما عِيب على ابنِ حَزْم فجاجة عبارته، وكلامه في الكبار.


(١) في الأصل: المجودة، وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>