للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان على حَظٍّ تامٍّ من معرفة العربية والحديث والتَّواريخ والأنْساب، إمامًا كاملًا في التَّفسير، حسنَ السِّيرة في التصوف، غيرَ مشتغلٍ بكسب، مكتفيًا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مَرّتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدَّنَانير وأعدادٍ من الثِّيَاب والحُلِيِّ، فيأخذها، ويفرِّقها على اللَّحَّام والخَبَّاز، وينفِق منها، ولا يأخذ من السَّلاطين ولا من أَرْكان الدَّوْلة شيئًا، وقَلَّما يُراعيهم (١)، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزًا مقبولًا قَبولًا أَتمّ من الملك، مُطاعَ الأمر نحوًا من ستين سنة من غير مزاحمةٍ، وكان إذا حَضَر المجلس لَبِسَ الثِّياب الفَاخرة، وركب الدَّوابّ الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازًا للدِّين، ورَغْمًا لأعدائه، حتى ينظروا إلى عِزّتي وتجمُّلي فيرغبوا في الإسلام، ثم إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المُرَقَّعَة (٢) والقعود [مع الصُّوفية] (٣) في الخانقاه (٤) يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهلُ هَرَاة التبكيرَ بالفجر، وتسميةَ أولادهم -في الأغلب- بعبدٍ المضاف إلى أسماء الله.

وقال أبو سَعْد السَّمْعَاني: كان مُظْهِرًا للسُّنَّة، داعيًا إليها، محرِّضًا عليها، وكان مُكْتفيًا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظَّلَمَةِ شيئًا، وما كان يتعدَّى إطلاق ما وَرَدَ في الظَّواهر من الكتاب والسُّنَّة،


(١) في "تذكرة الحفاظ": ٣/ ١١٩٠ "يرى عنهم"، وهو تصحيف.
(٢) من لباس الصوفية؛ لما فيها من الرقع. "المعجم الوسيط": ١/ ٣٦٦.
(٣) ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل.
(٤) الخانقاه: كلمة فارسية معناها بيت، جعلت لتخلي الصوفية فيها لعبادة الله تعالى انظر "خطط المقريزي": ٢/ ٤١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>