من يعتقد أن الله في السَّمَاء، وأن القرْآن في المُصْحف، ومن اعتقد أن النبيَّ اليوم ليس بنبيٍّ. ثم قام فانصرف، فلم يمكِّن أحدًا أن يتكلَّم من هَيبته. فقال الوزير للسَّائل: هذا أردتم، أن نسمع ما كان يذكره بهَرَاة بآذاننا، وما عسى أن أفعل به؟ ثم بعث إليه بصِلة وخِلَع، فلم يقبلْها، وسار من فَوْره إلى هَرَاة.
قال: وسمِعْتُ أصحابنا بهَرَاة يقولون: لما قَدِمَ السلْطَان ألب أرسلان هَرَاة في بعض قَدْماته اجتمع مشايخُ البلد ورؤساؤه، ودَخَلوا على أبي إسماعيل، وسَلَّموا عليه، وقالوا: ورَدَ السُّلْطان ونحن على عَزْم أن نخرج ونسلِّمَ عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسَّلام عليك. وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنمًا صغيرًا من نحاسٍ، وجعلوه في المِحراب تحت سَجَّادة الشيخ، وخرجوا. وقام الشيخ إلى خَلْوته، ودخلوا على السُّلْطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مُجَسِّمٌ، وأنه يترك في مِحْرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته، وإن بعث الآن السُّلطان يجده. فعَظُمَ ذلك على السُّلْطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة، فدخلوا الدَّار، وقصدوا المِحْراب، فأخذوا الصَّنم، ورجع الغلامُ بالصَّنم، فألقاه، فبعث السُّلْطان مَنْ أحضر الأَنْصَاري، فأتى فرأى الصَّنَم والعُلَماء، والسُّلْطان قد اشتدَّ غضبه، فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: صنم يُعمل من الصُّفْر (١) شبه اللُّعبة. قال: لست عن ذا أسأَلُك. قال: فَعَمَّ يسالني السُّلْطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبدُ هذا، وأنك تقول: إن الله على صُورته. فقال الأنْصَاري بصَوْلةٍ وصوتٍ جَهْوَريٍّ: سبحانك! هذا بُهْتان عظيم. فوقع في قلب السُّلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأُخرج إلى داره
(١) الصُّفْر: النحاس الجيد، وقل: ضرب من النحاس. "اللسان" (صفر).