عرفنا أن أبا الفضل الدمشقي ينتمي إلى مذهب اهتم فقهاؤه بالفروق، وكان يعيش في المركز العراقي المشتهر بالنشاط العقلي، وكان يلازم كثيرًا شيخه القاضي عبد الوهاب الذي من بين مصنفاته كتاب فروق فقهية، وقد ظهرت لدى بعض معاصريه عناية بالفروق، ومنهم أبو الحسن علي الطابثي البصري الذي رحل إلى مصر فلقي أبا القاسم بن الكاتب (وكتب عنه الفروق في مسائل سأله عنها)(١).
وقد أشعرنا الدمشقي في مقدمة كتابه أنه يقتفي أثر شيخه القاضي عبد الوهاب في صوغ الفروق الفقهية، وأن أصحاب هذا الشيخ ذكروا فروقًا، وهم أقرانه الذين جمعته بهم مجالس القاضي، وهو في كتابه يذكر شيخه هذا سبع مرات ناقلًا عنه بعض آرائه الفارقة بين السائل، كما يعزو فروقًا لبعض أصحابه من رجال مذهبه، وينسب أقوالًا لأربابها وغالبًا ما ينسبها للإمام ماللث، وقد وثقنا أقواله من المدونة، فتبين بهذا التوثيق أن مسلمًا الدمشقي قد انخرط في سلك دارسي فقه المدونة، متأثرًا بالطريقة العراقية التي أسلفنا إشارة المقري لصبغتها العقلية.