وكان الشيخ وقوراً حليماً مهيباً سريع النادرة سريع الرجوع. وله همة عالية في مساعدة أصحابة وأتباعه. وأنجب ولده وأنجب بدر الدين لكنه مات في حياته فأحزنه جداً بحيث دفنه في مدرسته التي أنشأها مقابل منزل سكنه وجر ذلك أن دفن هو بها لما مات وكان الأولى خلاف ذلك ويُعرف ذلك من شاهده. ثم أنجب ولده القاضي جلال الدين وانتشرت ذرية الشيخ من هذين ومن غيرهما. وسعد بسعادته جماعة من أقاربه واشتهر اسمه فى الآفاق. وبعد صيته إلى أن صار يُضرب به المقل في العلم ولا تركن النفس إلا إلى فتواه وكان مولعاً في الفتوى يجلس من بعد صلاة العصر إلى الغروب يكتب على الفتاوى من رأس القلم غالباً ولا يأنف إذا أشكل عليه شيء من مراجعة الكتب ولا من تأخير الفتوي عنده إلى أن يحقق أمرها. وقد وصف بالتفرد قديماً فقرأت في "الطبقات" لمحمد بن عبد الرحمن العثماني قاضي صفد في ترجمته: "هو شيخ الوقت وإمامه وحُجته انتهت إليه مشيخة الفقه في وقته وعلمه كالبحر الزاخر ولسانه أفحم الأوائل والأواخر" انتهى. وكان ينقم عليه في الفتوى تغير رأيه عما يفتي به وما كان ذلك إلا لسعة دائرته. وكان فيه من قوة الحافظة وشدة الذكاء ما لم يشاهد فيه مثله وفي شرح ذلك طول. مات في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة وله إحدى وثمانون سنة وثلاثة أشهر إلا أياماً. وفيه أقول في مرثيته الطويلة التي أولها: يا عين جودي لفقد البحر بالنهر أدري الدموع ولا تبقي ولا تذري وفيها بعد ذكر الشيخ زين الدين العراقي: لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما العام كالعام حتى الشهر كالشهر