بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِنَفْيِ مَا نَفَى وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، كَمَا إذَا كَانَ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ فَيَحْلِفُ يَمِينَ الْقَضَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ اقْتَضَى ذَلِكَ الدَّيْنَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَيَمِينُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ فِي دَيْنٍ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ عَلَى الْبَتِّ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَبَاهُ أَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ، (قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ) : وَيَحْلِفُ الْكِبَارُ مَعَ شَاهِدِ وَالِدِهِمْ عَلَى الْبَتِّ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا قَبَضَهُ قَابِضٌ فَتَصِيرُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْبَتِّ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعِلْمِ، (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ) ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَأْتِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي حَقٍّ لِأَبِيهِ كَيْفَ يَحْلِفُ؟ أَعَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ؟ قَالَ عَلَى الْبَتَاتِ أَنَّهُ حَقٌّ وَلَكِنْ إنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أُحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَبَاهُ اقْتَضَاهُ وَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْحَقِّ بِالْبَتَاتِ، وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) : مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْبَتِّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَثَانِيهمَا عَلَى الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، أَوْ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ كِنَانَةَ اهـ وَنَقَلَ قَبْلَ هَذَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا شَهِدَ لَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِحَقِّهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْلِفُ وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِهِ وَيُسَجَّلُ لَهُ بِذَلِكَ سِجِلًّا لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ، ثُمَّ قَالَ قِيلَ: وَكَيْفَ يَحْلِفُ الصَّبِيُّ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: لَا يَحْلِفُ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي يَتَيَقَّنُ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَحَقٌّ. اهـ قَوْلُهُ: " وَمُثْبِتٌ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: حَالِفٌ مُثْبِتٌ وَذَلِكَ إشَارَةٌ لِلْبَتَاتِ وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ نَفَى " أَيْ: عَنْ غَيْرِهِ. .
وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ بَانَ حَقُّهُ ... يَحْلِفُ مَعَ عَدْلٍ وَيَسْتَحِقُّهُ
هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ النِّصَابِ، يَعْنِي أَنَّ السَّفِيهَ الْبَالِغَ إذَا بَانَ حَقُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.
(قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ) قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى حَقِّهِ وَهُوَ كَبِيرٌ سَفِيهٌ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَدْ احْتَلَمَ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الصَّبِيِّ هَهُنَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْآخَرُ وَبَرِئَ وَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ كَمَا يَسْتَأْنِي بِالصَّغِيرِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ كُلَّهُ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْلِفُ فِيهِ مَعَهُ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّفِيهِ إذًا رُشْدٌ أَنْ يَحْلِفَ كَالْكَبِيرِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ اهـ.
وَتُرْجَأُ الْيَمِينُ حُقَّتْ لِلْقَضَا ... لِغَيْرِ بَالِغٍ وَحَقَّهُ اقْتَضَى
يَعْنِي أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ لَا يُقْتَضَى مِنْهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حَقَّهُ الْوَاجِبَ لَهُ الْآنَ، وَتُرْجَى الْيَمِينُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ إلَى بُلُوغِهِ فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ حَقُّهُ بِيَدِهِ وَتَمَّ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا رُدَّ الْحَقُّ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، (وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَمَعْنَى تُرْجَأُ تُؤَخَّرُ وَحَقَّهُ مَفْعُولُ اقْتَضَى.
تَحْصِيلٌ: اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ الْيَمِينِ أَرْبَعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي تَتَوَجَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute