للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ لِوَاجِدِهِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ عَنْبَرٍ أَوْ لُؤْلُؤٍ، فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ، وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالْخَرَزِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ اهـ.

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ]

ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الِاسْتِحْقَاقُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ، كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَوْلُهُ: قَبْلَهُ أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِمِلْكٍ بَعْدَهُ كَالْبَيْعِ أَوْ مَعَهُ كَطُرُوِّ وَارِثٍ عَلَى وَارِثٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ حُرِّيَّةٍ عَطْفٌ عَلَى مِلْكٍ يَعْنِي أَوْ رَفْعُ مِلْكٍ بِحُرِّيَّةٍ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ، يَعْنِي بِثُبُوتِ حُرِّيَّةٍ قَبْلَهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى حُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا وُجِدَ فِي الْمَغَانِمِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ قَسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَلَوْلَا زِيَادَةُ هَذَا الْقَيْدِ، لَكَانَ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ، ثُمَّ قَالَ: فَيُخْرِجُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ لَكِنْ لَا بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِلْكٌ بِحَبْسٍ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَرْتَفِعُ بِالْحَبْسِ.

(قُلْت) : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَبْسَ إذَا ثَبَتَ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إمَّا لِلْمُحَبِّسِ أَوْ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ حُرٌّ بِمِلْكٍ، كَيْفَ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِهِ؟ مِنْ الرَّصَّاعِ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَقَوْلُهُ: وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ إلَخْ هِيَ عَكْسُ صُورَةِ قَوْلِهِ: فِي الْحَدِّ أَوْ حُرِّيَّةٍ، كَذَلِكَ.

الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ يُلْزَمُ ... بَيِّنَةً مُثْبِتَةً مَا يَزْعُمُ

مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ لِمَنْ تَمَلَّكَهْ ... مِنْ قَبْلِ ذَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَّكَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَيْ مِلْكِيَّته، فَإِنَّهُ يُلْزَمُ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ تُثْبِتُ لَهُ مَا ادَّعَى، وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ الشَّيْءُ بِيَدِهِ مُدَّعِيًا مِلْكِيَّتَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مُلِّكَهُ، وَعَبَّرَ بِشَيْءٍ لِيَشْمَلَ الْأُصُولَ وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.

(قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، فَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَمَلَّكَهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ تَمَلُّكِهِ لَهُ اهـ. وَالْإِشَارَةُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِذَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَبِأَيِّ يَتَعَلَّقُ بِتَكْلِيفٍ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : الَّذِي مَضَى بِهِ الْعَمَلُ، وَأَفْتَى بِهِ شُيُوخُنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ زَعَمَ أَنَّهُ صَارَ عَمَّنْ وَرِثَهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَ ذَلِكَ عَنْهُ وَوِرَاثَتُهُ لَهُ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُسْأَلْ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ.

وَقَالَ الْمَالِكُ: مَالِي وَالْمِلْكُ مِلْكِي وَدَعْوَاكَ فِيهِ بَاطِلَةٌ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَكُلِّفَ الطَّالِبُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْهُ، وَمَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ سُئِلَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ، وَكُلِّفَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ إثْبَاتُهُ، وَإِنْ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ مِنْ قِبَلِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ بِوَجْهٍ يَذْكُرُهُ كُلِّفَ إثْبَاتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَهُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الدَّفْعِ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ قُضِيَ لِلطَّالِبِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ أَحْفَظُهُ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى مَضَتْ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ إثْبَاتِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ لِمَوْرُوثِهِ الْجَوَابُ، هَلْ صَارَ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِ مَوْرُوثِهِ الَّذِي أَثْبَتَ مَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ؟ بَعِيدٌ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

وَهَذَا الْكَلَامُ يَثْبُتُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ سَلْمُونٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَم إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْحَائِزِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحِقِّ أُصُولٌ، أَمَّا إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ الْأُصُولُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ وَانْتِقَالِهَا، وَحِكَايَاتِهَا، فَإِنَّ مَا بِيَدِ الْحَائِزِ مُقَدَّمٌ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّرَاجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ: أَنَّ الْحَوْزَ مِمَّا يَقَعُ بِهِ التَّرَاجِيحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَيُفَضَّلُ لِلْحَائِزِ الْحَوْزُ.

قَالَ الْحَطَّابُ أَوَّلَ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>